الدنيا والآخرة. هذه هي إحدى قواعد الفهم لموضوع الكفر والإيمان، وإذ تتقرر القاعدة يبدأ السياق يبين ظلم اليهود الذين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن كعب القرظي والسدي وقتادة: سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبة. قال ابن جريج:«سألوه أن ينزل عليهم صحفا من الله مكتوبة إلى فلان وفلان، بتصديقه بما جاءهم به» وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت والظلم للحقيقة. فلم يطلبوا آية من أجل أن يتأكدوا من صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والآيات كثيرة ولكنها طبيعتهم التي سيعرض السياق حقائق عنها ليؤكد أن كفرهم وتعنتهم لا سبب له إلا ظلمهم. فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ هذا جواب شرط مقدر، معناه: إن استكبرت ما سألوه فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، والسؤال من آبائهم في أيام موسى عليه السلام، وأسند إليهم لأنهم كانوا على مذهبهم، وراضين بسؤالهم. وما هو هذا السؤال الأفظع؟ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. أي: عيانا، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ. أي: فأخذهم العذاب الهائل، أو النار المحرقة بسبب ظلمهم بالتحكم على نبيهم في الآيات، وتعنتهم في سؤال الرؤية لا بمجرد سؤال الرؤية، فقد سألها موسى ولكنه سألها إيمانا وشوقا وهم علقوا الإيمان عليها، ومع هذا فقد أحياهم الله بعد موتهم وعفا عنهم. ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ. أي: ثم اتخذوا العجل إلها من بعد ما رأوا المعجزات التسع، وهي معجزات في غاية الوضوح ومع ذلك عبدوا العجل. فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ تفضلا ولم نستأصلهم بل أمرهم الله أن يقتلوا أنفسهم، أو أن العفو أخروي لأن العقوبة الدنيوية قد حصلت. وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً. أي:
حجة ظاهرة على من خالفه، فانحرافهم مع هذا وفتنتهم أثر عن طبيعتهم القاسية فلا يستغرب انحرافهم وظلمهم، وتعنتهم الحالي هو امتداد لذاك.
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ. أي: بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه. قال ابن كثير:«وذلك حين امتنعوا عن الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام، رفع الله على رءوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا ... ». وهذا مظهر آخر من مظاهر ظلمهم إذ احتاج أخذ الميثاق عليهم إلى رفع الجبل فوقهم وتهديدهم. ثم أن يكون مع مثل هذا نقض للميثاق فما أفظع هذه الطبيعة؟. وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أمروا أن يدخلوا باب القدس سجدا، أي مطأطئين الرءوس عند دخولهم، فخالفوا ما