عند قوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟ يقول صاحب الظلال: «إنّ معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص فالجاهلية- كما يصفها الله ويحددها قرآنه- هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله، ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله .. إن الجاهلية- في ضوء هذا النص- ليست فترة من الزمان؛ ولكنها وضع من الأوضاع. هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غدا، فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام.
والناس- في أي زمان وفي أي مكان- إما أنهم يحكمون بشريعة الله- دون فتنة عن بعض منها- ويقبلونها ويسلّمون بها تسليما، فهم إذن في دين الله. وإما أنهم
يحكمون بشريعة من صنع البشر- في أي صورة من الصور- ويقبلونها فهم إذن في جاهلية؛ وهم في دين من يحكمون بشريعته، وليسوا بحال في دين الله. والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية؛ والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية. وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه. وهم بعد ذلك بالخيار! ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله.
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .. وأجل! فمن أحسن من الله حكما؟ ومن ذا الذي يجرؤ على ادّعاء أنه يشرّع للناس، ويحكم فيهم، خيرا مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟
وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادّعاء العريض؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله- سبحانه- وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير؛ ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد .. كان- سبحانه- يجهل أن أحوالا ستطرأ، وأن حاجات ستجدّ، وأن ملابسات ستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!
ما الذى يستطيع أن يقوله من ينحّي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها