قلنا: إن سورة آل عمران هي تفصيل لما أجمل في مقدمة البقرة، والمقطع الذي بين أيدينا، حدد الله- عزّ وجل- فيه حدود العلاقة بين المؤمنين وغيرهم من الكافرين والمنافقين، وبين فيه أنه لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا بطانة لهم من غيرهم من المنافقين والكافرين. مع تبيان السبب، ونفي كل ما من شأنه أن يدعو إلى مخالفة النهي هذا.
وخلال ذلك حلل نفسية الكافرين والمنافقين، وحقيقة ما بأنفسهم تجاهنا، وما قد يخطئ به المسلم إذ يتصور أنه باتخاذه بطانة من غير المسلمين يمكن أن يدفع أذى، أو يستجلب منفعة، فنفى هذا كله، مع التربية على العبودية الكاملة.
[كلمة فيما مر وسيمر من القسم الرابع]
مر معنا من القسم الرابع مقطعان، وبقي مقطع واحد، وقد بدأ القسم بالنهي عن طاعة أهل الكتاب، وبين لنا كل ما نحتاجه من أجل ألا نعطي الطاعة لهم، من تذكير لنا بما يثبتنا على الإيمان، إلى تذكير لنا بالاعتصام بالكتاب، إلى أمر لنا بوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، إلى نهينا عن التفرق، إلى تذكيرنا بأن كيد أهل الكتاب لا يضرنا، وأننا منصورون عليهم، إلى غير ذلك من معان تشكل البديل عن المنفعة المتوهمة في ظن من يظن أن طاعة أهل الكتاب فيها مصلحة، كما بين لنا ما ينبغي أن يكون حائلا بيننا وبين طاعة أهل الكتاب.
ثم جاء المقطع الثاني لينهانا أن نتخذ بطانة من دوننا كائنا من كانوا، وبين لنا الأسباب التي يحول بيننا وبين أن نتخذهم بطانة، وذكرنا بما يعين على ذلك فهاتان طائفتان مؤمنتان كادتا أن تفشلا بسبب حسن ظنهم بالمنافقين يوم أحد، ثم إن عصمة الله لهما منعتهما من ذلك، ونصرة الله للمؤمنين يوم بدر ينبغي أن تكون على ذكر منا، بحيث تقتلع من قلوبنا ما يمكن أن نحذره حين لا نتخذ بطانة من دون المؤمنين. ثم ذكرنا الله- عزّ وجل- بحكمته التي تجعله يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء، وذلك له تأثيراته في قضية النهي عن اتخاذ بطانة من الكافرين.
وبعد ذلك كله، يأتي المقطع الثالث والأخير من القسم الرابع؛ ليبني الجماعة المسلمة بعد أن حذرها في المقطعين السابقين من أخطر قضيتين يمكن أن تتساهل فيهما، طاعة أهل الكتاب، واتخاذ بطانة من دون المؤمنين. فيأتي المقطع الثالث ليأمر بترك