للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الآيات ثبوت الدلالة، والآيات كلها في حكم آية واحدة في ذلك،

ثمّ قال تعالى مبينا كثرة جهلهم، وسخافة عقولهم، حيث طلبوا آيات تدلّهم على صدق محمّد صلّى الله عليه وسلم فيما جاءهم، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي هو أعظم من كل معجزة، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته، بل عن معارضة عشر سور من مثله، بل عن معارضة سورة منه. فقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ آية مغنية عن سائر الآيات، إن كانوا طالبين للحق، غير متعنّتين أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ أي هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان، فلا يزال معهم آية ثابتة، لا تزول كما تزول كل آية بعد كونها، أو تكون في مكان دون مكان. قال ابن كثير: (أي أو لم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ونبأ ما بعدهم، وحكم ما بينهم، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولم تخالط أحدا من أهل الكتاب، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه، وبالحق الواضح البين الجلي إِنَّ فِي ذلِكَ أي في هذه الآية المستمرّة لكل مكان وزمان، إلى آخر الدهر لَرَحْمَةً أي لنعمة عظيمة، وأي رحمة أعظم من الرحمة ببيان الحق وإزاحة الباطل وَذِكْرى أي وتذكرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ دون المتعنتين، وإنّما كان القرآن مذكّرا، لما فيه من ذكر حلول النّقمات، ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين، ولما فيه من ذكر الله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر، وغير ذلك).

قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً أي شاهدا يصدق ما أدّعيه من الرسالة وذلك بإنزاله هذا القرآن عليّ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو مطّلع على أمري وأمركم، وعالم بحقّي وحقكم، وعالم بما تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني، وإنّما أنا صادق فيما أخبرتكم به، ولهذا أيّدني بالمعجزات الواضحات، والدلائل القاطعات وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وهو ما يعبدون من دون الله وَكَفَرُوا بِاللَّهِ وآياته أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان فهم الخاسرون يوم القيامة. وسيجزيهم على ما فعلوا، ويقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحق واتّباعهم الباطل، ذلك أنّهم كذبوا برسل الله، مع قيام الأدلّة على صدقهم، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>