قدّمت لهذا بذكر معان، فقد قدمت سورة غافر للوصول إلى هذا بمعان هي تفصيل للمعاني التي قدّمتها سورة البقرة، ومن ثم عرضت لنا سورة غافر صورا عن اليوم الآخر، وصورا من مضمونات الغيب، وعرضت لقضية الإيمان، وعرضت لقضية تنزيل الكتاب من الله عزّ وجل، وأنه فوق الريب والشكوك، فلا يجادل في هذا الشأن إلا معاند، وأوصلتنا إلى أن نفهم من السياق أن الكافرين يرفضون الإيمان والإنذار، وذكرت ذلك كله في مقدمة السورة، لتوصّلنا إلى المقطع الوحيد فيها، وهو الذي يقيم الله به الحجة على الكافرين، وينذرهم ويخوفهم، حتى تقوم الحجة الكاملة عليهم.
٣ - [تجلية أسماء الله وصفاته من أحد أهداف السورة]
رأينا أن المقدمة بدأت بذكر أسماء الله عزّ وجل، حدثتنا عن صفاته، وقد رأينا كيف أن المقدّمة برهنت لنا على اتصاف الله عزّ وجل بذلك، والواقع أن السورة كلها تجلّي هذه الحقيقة، وتدلّل على اتصاف الله عزّ وجل بهذه الصفات والأسماء.
فلننقل الآن بعض الفوائد المتعلّقة بهذه المقدّمة.
فوائد:[حول آيات مقدمة السورة]
١ - بمناسبة قوله تعالى: حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ قال ابن كثير (وقال أبو بكر بن عياش سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إني قتلت فهل لي من توبة؟ فقرأ عمر رضي الله عنه حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ وقال: اعمل ولا تيأس. رواه ابن أبي حاتم واللفظ له وابن جرير.
وروى ابن أبي حاتم عن يزيد ابن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر فقال: ما فعل فلان بن فلان، فقالوا يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب. قال فدعا عمر كاتبه فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. ثم قال لأصحابه ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه، ويتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب