وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة وذهابها وتسييرها ونسفها أي قلعها وصيرورتها كالعهن المنفوش
وَكُنْتُمْ أيها الناس أَزْواجاً أي: أصنافا ثَلاثَةً صنفان في الجنة، وصنف في النار،
ثم فسر الأزواج فقال:
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وهم الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ استفهام يفيد التعجيب من حالهم في السعادة، وتعظيم لشأنهم، كأنه قال: ما هم، وأي شئ هم؟
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ أي: الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ أي: أي شئ هم؟ وهو تعجيب من حالهم بالشقاء، ويحتمل أن يكون المراد بأصحاب اليمين أصحاب المنزلة السنية، وأن يكون المراد بأصحاب الشمال أصحاب المنزلة الدنية الخسيسة. قال النسفي: وقيل يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين، وبأهل النار ذات الشمال، وذلك بالنسبة للعرش كما سنرى في الفوائد
وَالسَّابِقُونَ إلى الخيرات السَّابِقُونَ إلى الجنات، ويحتمل أن تكون الثانية توكيدا للأولى
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ عند الله
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي: هم في جنات النعيم
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ قال ابن كثير: أي من صدر هذه الأمة
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال ابن كثير: أي من هذه الأمة. قال النسفي: والثلة: الأمة من الناس الكثيرة. أقول: وهناك اتجاه رجحه ابن جرير وضعفه ابن كثير كما سنرى في الفوائد:
أن المراد بالأولين: الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن المراد بالآخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير: (وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا فيه نظر، بل هو قول ضعيف؛ لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم).
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور سورة الواقعة هو قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فالخطاب هنا للناس جميعا، ونلاحظ أن بداية سورة الواقعة خطاب للناس جميعا وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فكأن السياق يقول:
(يا أيها الناس كيف تكفرون بالله ... ثم إليه ترجعون) إذ تكونون أصنافا ثلاثة، إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ* إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ثم يسير السياق بعد التفصيل في الأزواج الثلاثة ليقيم الحجة على الناس فيقول: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ ثم يستقر