مِنَ النِّساءِ القواعد جمع قاعد وهي صفة مختصة بالنساء والمعنى: واللاتي قعدن عن الحيض والولد من النساء لكبرهن اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج، ولا يطمعن فيه فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أي إثم في أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير مظهرات زينة، فلا هن متزينات، ولسن كاشفات عن مواطن الزينة الخفية، كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك، وحقيقة التبرج: تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه، فهن لا يقصدن بوضع ثيابهن التبرج، ولكن التخفيف وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أي وأن يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن خير لهن وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقلن، ويقال فيهن عَلِيمٌ بما يقصدن، وعليم إذ شرع لهن ما شرع.
والآن تأتي آية تحدد البيوت التي يجوز للإنسان أن يأكل منها، والصلة بينها وبين آيات الاستئذان: أن الاستئذان يعقبه دخول، والدخول يعقبه رؤية لما في البيت، وقد يكون في البيت طعام، فهل يحق للإنسان أن يأكل؟ كما أن هناك حالات قد يدخل الإنسان فيها إلى بيوت المذكورين في الآية، في حالة غيبتهم، بإذن مسبق، فاقتضى ذلك معرفة أحكام الأكل من مثل هذه البيوت.
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ قال ابن كثير:(روى الزهري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه، فكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء، فأنزل الله هذه الآية، ومن المعلوم أن الأعمى والمريض والأعرج هم الذين كانوا يتخلفون عن الجهاد، وتوضع عندهم مفاتح البيوت، ويؤذن لهم في الأكل، فكانوا يتحرجون أن يأكلوا، فأنزل الله رفع الحرج عنهم في أن يأكلوا ما دام الإذن موجودا) وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ حرج أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أي بيوت أولادكم، لأن ولد الرجل بعضه، وحكمه حكم نفسه، ولهذا لم يذكر الأولاد في الآية، أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صارا كنفس واحدة، فصار بيت المرأة كبيت الزوج أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ قال النسفي:(لأن الإذن من هؤلاء ثابت دلالة) أَوْ ما مَلَكْتُمْ