للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفَلا تَعْقِلُونَ أن هذا حجة عليكم حيث تعترفون به ثم لا تتابعونه، دلت هذه الآية على أن من طبيعة اليهود أن يظهروا خلاف ما يبطنون مع عدم الإكراه، وأنهم يقولون للناس شيئا ويقولون فيما بينهم شيئا آخر، كما دلت الآية على أن هذا النوع من المواقف سببه عدم معرفة الله حق المعرفة، وإلا لو أنهم يعلمون أن الله يعلم السر وأخفى

لعلموا أن الحجة قائمة عليهم اعترفوا أو لم يعترفوا

ولذلك قال تعالى: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنهم جهلة بالله؛ ولذلك فإنهم يقولون ما يقولون، فإذا كان هذا حال أهل العلم منهم فما بالك بالعامة،

إن الآية الآتية تصور لنا حال هؤلاء العامة: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ الأمي: هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، والمراد بالكتاب هنا التوراة، والأماني: جمع أمنية وهي التمني الذي لا يرافقه عمل، وقد تأتي بمعنى الكذب، أو بمعنى التلاوة غير المتعمقة، والأرجح أن المراد بها هاهنا الأول، فمعنى الآية: ومن اليهود من لا يحسن القراءة والكتابة، فهم لا يطالعون التوراة فيتحققون بما فيها، فهم لا يعرفون إلا ما هم عليه من أماني من أن الله يحبهم، ويعفوا عنهم، ويرحمهم على ما هم عليه كائنا ما كان، وما هم في هذا إلا ظانين؛ لا يستندون في ما هم فيه على يقين.

ذكر في هذه الآية العامة المقلدون، وفيما قبلها العلماء المحرفون، والمنافقون والمضللون، وهذا هو التقليد المذموم أن يوجد إمام يتبعه متبع على غير هدى، ومن الضلال الفظيع تأويل كتاب الله على غير ما يحتمله نص الكتاب وما تشعبت فرق الضلال إلا عن مثل هذا، وما تضل العامة في الغالب إلا بسبب أئمة الضلال الذين يحرفون كتاب الله، أو يتأولونه بهوى، أو ينسبون إلى الله ما لم يقله أو يحكم به، وعلماء اليهود فعلوا هذا كله، والآية التالية تذكر فعلة من فعلاتهم، والدواعي التي دعتهم لذلك وما يستحقونه من عقاب عليها قال تعالى:

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ عن ابن عباس: «الويل المشقة من العذاب» .. وقال الخليل بن أحمد: الويل شدة الشر. وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها وقال بعضهم: الويل الحزن.

وقال الحسن البصري: «الثمن القليل الدنيا بحذافيرها» ومن الدنيا المال والزعامة والجاه وعلى هذا فمعنى الآية.

أن الهلاك والعذاب للكتبة الوضاعين الذين يكتبون كتبا مختلقة من عند أنفسهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>