بمناسبة قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ يقول الألوسي: (واستدل بالآية من قال- كالمعتزلة- إن السحر لا حقيقة له وإنما هو مجرد تخييل، وفيه أنهم إن أرادوا أن ما وقع في القصة من السحر كان كذلك فمسلم والآية تدل عليه، وإن أرادوا أن كل سحر تخييل فممنوع والآية لا تدل عليه، والذي ذهب إليه جمهور أهل السنة أن السحر أقسام وأن منه ما لا حقيقة له ومنه ما له حقيقة، كما يشهد بذلك سحر اللعين لبيد بن الأعصم اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسحر يهود خيبر ابن عمر رضي الله عنه حين ذهب ليخرص تمرهم، وذكروا أنه قد يصل السحر إلى حد المشي على الماء والطيران في الهواء ونحو ذلك، وترتب ذلك عليه كترتب الشبع على الأكل، والري على الشرب، والإحراق على النار، والفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله تعالى، نعم قال القرطبي:
أجمع المسلمون على أنه ليس من السحر ما يفعل الله تعالى عنده إنزال الجراد والقمل والضفادع، وفلق الحجر، وقلب العصا، وإحياء الموتى، وإنطاق العجماء، وأمثال ذلك من آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام. ومن أنكر حقيقته استدل بلزوم الالتباس بالمعجزة، وتعقب بأن الفرق مثل الصبح ظاهر).
وبمناسبة الكلام عن انقلاب عصا موسى ثعبانا قال الألوسي:
والآية من أقوى الأدلة على جواز انقلاب الشئ عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، إذ لو كان ذلك تخييلا لبطل الإعجاز، ولم يكن لذكر «مبين» أي في فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وارتكاب غير الظاهر غير ظاهر، ويدل كذلك أيضا أنه لا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ما ذكر وتخصيص الإرادة له، والقول بأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به فلا يكون النحاس ذهبا غير مقبول، والحق جواز الانقلاب إما بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشئ في الزمن الواحد نحاسا وذهبا وعلى أحد هذين الاعتبارين توكأ أئمة التفسير في أمر العصا ... ).
أقول: في عصرنا استطاع علماء الكون أن يحولوا العنصر إلى عنصر آخر من خلال تغيير عدد الألكترونات والبروتونات في الذرة فالقول باستحالة ذلك لم يعد واردا، أما موضوع السحر فلم يزل ولن يزال النقاش فيه قائما، والفارق بينه وبين المعجزة واضح، فالسحر جزء من عالم الأسباب، والمعجزة خرق لعالم الأسباب.