للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى فيما مرّ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ فالمعنى: أنهم يشربون ويتحادثون على الشراب كعادة الشّراب، فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن أهل الجنة أنّه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم، ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم، يسعون ويجيئون بكل خير عظيم، من مآكل

ومشارب وملابس وغير ذلك، ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ قال ابن عباس: هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا

يَقُولُ المشرك للمؤمن أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أي بيوم الدين قال ابن كثير: (أي أأنت تصدّق بالبعث والنّشور، والحساب والجزاء؟! يعني يقول ذلك على وجه التعجّب والتكذيب والاستبعاد والكفر والعناد)

أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ أي لمحاسبون ومجزيّون بأعمالنا

قالَ ذلك القائل هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ إلى النار لأريكم ذلك القرين

فَاطَّلَعَ المسلم فَرَآهُ أي قرينه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ أي في وسطها

قالَ المؤمن تَاللَّهِ إِنْ أي إنه كِدْتَ لَتُرْدِينِ أي لتهلكني لو أطعتك

وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي أي عصمته وتوفيقه في الاستمساك بعروة الإسلام لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أي من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك قال ابن كثير: (أي ولولا فضل الله عليّ لكنت مثلك في سواء الجحيم، حيث أنت، محضر معك في العذاب، ولكنّه تفضّل عليّ ورحمني فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيده .. )

أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قال ابن كثير:

(هذا من كلام المؤمن مغتبطا نفسه بما أعطاه الله تعالى من الخلد في الجنة، والإقامة في دار الكرامة، بلا موت فيها ولا عذاب) قال النسفي: (وهذا قوله يقوله المؤمن تحدّثا بنعمة الله، بمسمع من قرينه، ليكون توبيخا له، وزيادة تعذيب)، يقرّعه على اعتقاده في الدنيا أن لا بعث ولا عذاب، وما ثمّ إلا الموتة الأولى

ثم قال المؤمن لقرينه إِنَّ هذا أي الأمر الذي نحن فيه لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

...

<<  <  ج: ص:  >  >>