يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ أي: أنصار دينه كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي: من معيني في الدعوة إلى الله، أو من جندي متجها إلى نصرة الله. قال النسفي:(أي: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: من أنصاري إلى الله) وقال ابن كثير: (يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ) قال النسفي: ومعنى من أنصاري إلى الله أي: من الأنصار الذين يختصون بي، ويكونون معي في نصرة الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ قال ابن كثير: أي: نحن أنصارك على ما أرسلت به، ومؤازروك على ذلك. قال النسفي:
والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا وحواري الرجل صفيه وخالصته فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ بعيسى عليه السلام وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ به، قال ابن كثير:(أي: لما بلغ عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام رسالة ربه إلى قومه ووازره من وازره من الحواريين اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به، وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به، وجحدوا نبوته ورموه وأمه بالعظائم ... ) فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ قال النسفي: فقوينا مؤمنيهم على كفارهم. أقول: يحتمل أن يكون التأييد بالخوارق، فمن المعروف أن الحواريين قد أمدوا بالكرامات وخوارق العادات ولم يدخلوا قتالا. وذهب ابن جرير إلى رأي آخر ذكره ابن كثير ولم يذكر غيره وهو: أن التأييد للذين آمنوا من أصحاب عيسى كان ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وسننقل كلامه بالفوائد، وعلى هذا يكون بين النصرة وبين التبشير بإعلاء الإيمان مئات السنين، وإني أستبعد هذا الرأي؛ فالتأييد للحواريين كان بعد رفع عيسى عليه السلام، وذلك كما قلنا بأنواع الكرامات الكثيرة، فأصبحوا ظاهرين على غيرهم من بني إسرائيل في أنهم على الحق، واستجاب لهم خلق كثير في كل مكان، وهاهنا ظهرت ظاهرة بولس الانحرافية، وبدأ الصراع بين الأطراف من جديد، واستقر الأمر داخل الكنائس لصالح اتجاه بولس بدعم الدولة الرومانية بعد مئات السنين، ثم