ختم الله عزّ وجل الكلام عن فرعون بقوله وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى مع أنه كان يقول لقومه كما قص الله علينا في مكان آخر وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (غافر: ٢٩) مما أفهمنا أنه لا هدى إلا بالإيمان بما أنزل الله، كما ذكر الله في الآيتين اللتين هما محور هذه السورة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فالخاتمة التي ختمت بها قصة فرعون دلت على أن الشقاء الحقيقي للكافرين، إذ لهم سوء العاقبة، وبعد سوء العاقبة لهم النار، فهذا هو الشقاء، أن يكون الإنسان ضالا، فيأخذه عذاب الله وهو كذلك، ثم له النار بعد ذلك. أما أهل الإيمان فالعاقبة لهم في الدنيا ولهم الآخرة، وهم سعداء في الدنيا بالإيمان والهدى، وسعداء في الآخرة بالنعيم.
ثم اتجه السياق إلى مخاطبة بني إسرائيل يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى من قبل، وكلمه عليه من بعد، وأعطاه عليه الألواح، وسأله عليه الرؤية، وهذه المواعدة من أجل إعطاء الله موسى الألواح كما سنرى وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى أي في التيه. ذكرهم بأعظم نعمه عليهم: النجاة من العدو، وإنزال الكتب، وإنزال المن والسلوى في أيام التيه، حيث كانوا في أشد حالات الحاجة،
ثم قال تعالى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أباح لهم أن يأكلوا من الحلالات، وهذا من تمام النعمة، ثم حذرهم فقال وَلا تَطْغَوْا فِيهِ أي ولا تطغوا في رزقي، فتتعدوا حدود الله، وتكفروا نعمه، وتنحرفوا عن شريعته، ويظلم بعضكم بعضا فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أي فأغضب عليكم وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي أي عقوبتي فَقَدْ هَوى أي فقد هلك، أو سقط سقوطا لا نهوض بعده،
ثم بين لهم طريق التوبة بعد السقوط، إذا حدث طغيان وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق وَآمَنَ أي صدق بقلبه وَعَمِلَ صالِحاً أي بجوارحه ثُمَّ اهْتَدى أي استقام وثبت على الهدى، أي استقام على منهج الله وسار عليه حتى لقي الله، دل ذلك على أن الاهتداء الكامل أثر عن الإيمان والعمل الصالح والتوبة.