الانفضاض كانوا كذلك، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام، فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على اثني عشر دل على أن هذا العدد كاف، وفيه أن ذلك كان دالا على صحتها باثني عشر رجلا بلا شبهة، لكن ليس فيه دلالة على اشتراط اثني عشر، وأنها لا تصح بأقل من هذا العدد، فإن هذه واقعة عين أكثر ما فيها أنهم انفضوا وبقي اثنا عشر رجلا وتمت بهم الجمعة، وليس فيها أنه لو بقي أقل من هذا العدد لم تتم بهم، وفيما يصنع الإمام إن اتفق تفرق الناس عنه في صلاة الجمعة خلاف:
فعند أبي حنيفة إن بقي وحده، أو مع أقل من ثلاثة رجال يستأنف الظهر إذا نفروا عنه قبل الركوع، وعند صاحبيه: إذا كبر وهم معه مضى فيها، وعند زفر إذا نفروا قبل القعدة بطلت لأن العدد شرط ابتداء فلا بد من دوامه كالوقت، ولهما أنه شرط الانعقاد فلا يشترط دوامه كالخطبة، وللإمام أن الانعقاد بالشروع في الصلاة ولا يتم ذلك إلا بتمام الركعة، لأن ما دونها ليس بصلاة، فلا بد من دوامه إلى ذلك بخلاف الخطبة؛ لأنها تنافي الصلاة فلا يشترط دوامها).
[كلمة أخيرة في سورة الجمعة]
إن سورة الجمعة نموذج للسورة التي لها سياقها الخاص، وهي تفصل في محور سورة البقرة مع شدها لهذا المحور معاني مرتبطة به في أعماق سورة البقرة، وكل ذلك فصلناه من قبل، وصلة بدايتها بنهاية سورة الصف واضحة: فسورة الصف تنتهي بالدعوة إلى نصرة الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ وتبدأ سورة الجمعة بالكلام عن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضمونها، وهو الشئ الذي ينبغي أن ينصر، وفي أثناء الكلام عن محور سورة المنافقون تفصيلات حول السورتين فلننتقل إلى الكلام عن سورة المنافقون.