للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ نعلم أن السورة تبدأ بتبيان فحوى الرسالة ومضمونها وحكمتها فإذا استقرّ ذلك فإن السياق يبدأ بعرض موقف الكافرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن دعوته.

...

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ أي وجب وثبت، والقول: هو قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. عَلى أَكْثَرِهِمْ دلّ على أن القليل فقط هم الذين يؤمنون فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب، لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر، فبسبب ذلك هم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون رسله. قال ابن جرير في معنى الآية: لقد وجب العذاب على أكثرهم بأن الله تعالى قد حتّم عليهم في أمّ الكتاب أنهم لا يؤمنون

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الغل: هو ما تجمع به اليدان إلى العنق، ولما كان هذا معروفا اكتفى بذكر الأعناق عن ذكر الأيدي فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ معناه: فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها فَهُمْ مُقْمَحُونَ قال مجاهد: (أي) رافعي رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم فهم مغلولون عن كل خير، أي مرفوعة رءوسهم بشكل لا يدعهم الغل يطأطئون رءوسهم. قال النسفي: مثّل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين، في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رءوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدّامهم، ولا ما خلفهم في ألّا تأمّل لهم ولا تبصّر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله بقوله:

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ*

وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أي وجعلنا من أمامهم سدا عن الحق ومن خلفهم سدا عن الحق فَأَغْشَيْناهُمْ أي فأغشينا أبصارهم عن الحق أي غطّيناها وجعلنا عليها غشاوة فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ الحق والرشاد أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله تعالى هذا السّدّ بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه وقرأ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس: ٩٦، ٩٧]

ثم قال: من منعه الله تعالى لا يستطيع وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي سواء عليهم الإنذار وتركه. والمعنى: من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار.

<<  <  ج: ص:  >  >>