أمراء. قال ابن كثير في سبب نزول هذه الفقرة:(ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم- وكان ممن أسلم قديما- فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ، ويلح عليه، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك، ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله تعالى عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى * وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
[كلمة في السياق]
١ - في سورة البقرة ورد قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. فهناك كفار هذا شأنهم، وفي الفقرة التي مرت معنا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل على من هذا شأنه، إذ وصفه الله عزّ وجل بقوله: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، ويعرض عمن استجاب للإنذار وهو راغب إلى الله ورسوله في السير، فعاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم هذا العتاب الشديد، وفي ذلك درس عظيم أن يقبل وارث النبوة على من أتاه طالبا التزكية والهداية كائنا من كان، وألا يتشوف لمن كان عندهم استغناء، وفي قوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى إشارة إلى أن الداعية إلى الله مهمته التزكية والتذكير، فالفقرة إذن تعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحجب الإنذار عن أهله، وأن يضعه في غير أهله، مفرطا بذلك في حق الأهل، وصلة ذلك بمحور السورة من سورة البقرة واضحة، وقد علمنا من الفقرة صفة من صفات الكافرين الذين لا تنفع معهم الإنذار، وهم الذين في قلوبهم استغناء.
٢ - ... ثم تأتي الفقرة الثانية، وفيها نهي لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يعود لمثل ذلك، وفيها توضيح لحقيقة الوحي وعزته، وفيها تبيان لطبيعة الإنسان، ولفت نظر إلى مظاهر قدرة الله عزّ وجل، وإنعامه التي تقتضي من الإنسان شكرا وعبادة، وفي تبيان هذه المعاني في هذا السياق دروس في الإنذار، ودروس للإنسان تهيجه على قبول الإنذار وعدم الاستغناء، وسنرى صلة ذلك كله بمحور السورة وبسياقها الخاص.