للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ وجاءت بعد ذلك قصة نوح وقصة إبراهيم عليهما السلام وقلنا: إن القصص في هذا السياق تأتي للتمثيل لكل المعاني السابقة من امتحان لأهل الإيمان، إلى كون العاقبة لهم، إلى غير ذلك، وهي في الوقت نفسه مرتبطة ارتباطا مباشرا بما قبلها من قول الكافرين للذين آمنوا: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ .... ففي ذكر عاقبة قوم نوح، وفي دعوة إبراهيم عليه السلام التي لا هوادة فيها، استمرار للرد على قول الكافرين. ومجئ الآيات الست الآن في وسط قصة إبراهيم يشير إلى أن المعاني المذكورة فيها معان ذكرها إبراهيم، أو هي معان تصلح للتعليق على قصة إبراهيم لارتباطها بما قبلها مباشرة. فلنر الآيات:

....

أَوَلَمْ يَرَوْا أي قد رأوا ذلك وعلموه كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فيستدلوا بذلك على صحة ما دعاهم إليه الرسل من أمر المعاد إِنَّ ذلِكَ أي الإعادة عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي سهل

قُلْ يا محمد- وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره-: وأوحينا إليه أن قل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على كثرتهم واختلاف أحوالهم، وفي ذلك أمر بتعلّم علم المستحاثات وإيجاد متاحفه، كما سنرى في الفوائد. ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ قال النسفي:

(وهذا دليل على أنهما نشأتان، وأن لكل واحدة منهما إنشاء أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود، غير أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله، والأولى ليست كذلك، والقياس أن يقال: كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة. لأن الكلام معهم وقع في الإعادة، فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا لم يعجزه الابتداء وجب أن لا يعجزه الإعادة، فكأنه قال: ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة، فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ). إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي قادر

يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بالخذلان وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ بالهداية أو يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة، أو أن تعذيبه ورحمته بسوء الخلق وحسنه، أو بالإعراض عن الله، وبالإقبال عليه، أو بمتابعة البدع، وبملازمة السّنة وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ أي تردّون وترجعون يوم القيامة

وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ربكم. أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه

<<  <  ج: ص:  >  >>