للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول [من الظلال]:

١ - [بمناسبة قوله تعالى قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ]

بمناسبة قوله تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ قال صاحب الظلال: (وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهره القريب. إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله. وشأن من شئون هذا الكون بكامله. إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود. ليس منفصلا ولا بعيدا عن شأن السماوات والأرض، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد.

ولقد جاء هذا النبأ ليتجاوز قريشا في مكة، والعرب في الجزيرة، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض. ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان؛ ويؤثّر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها؛ ويكيّف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولقد نزل في أوانه المقدر له في نظام هذا الكون كله، ليؤدي دوره هذا في الوقت الذي قدّره الله له.

ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم.

سواء في ذلك من آمن به ومن صدّ عنه. ومن جاهد معه ومن قاومه. في جيله وفي الأجيال التي تلته. ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم.

ولقد أنشأ من القيم والتصورات، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها، وفي أجيال البشرية جميعها، ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال!

وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغيّر وجه الأرض؛ ويوجّه سير التاريخ؛ ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة؛ ويؤثّر في ضمير البشرية وفي واقعها؛ ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما. وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة. يؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة.

والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر. لا يدركون طبيعته وارتباطها بطبيعة الوجود؛ ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ليعلموا أنه طرف من الحق الكامن في بناء الوجود؛ ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضا واقعيا، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>