حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ أي: حم هذا تنزيل الكتاب مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ أي:
المنيع بسلطانه عن أن يتقوّل عليه متقوّل الْعَلِيمِ بمن صدّق وكذّب، فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين
غافِرِ الذَّنْبِ غافر أي: سائر ذنب المؤمنين وَقابِلِ التَّوْبِ أي: وقابل توبة الراجعين. قال ابن كثير: أي: يغفر ما سلف من الذنب، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه
وخضع لديه شَدِيدِ الْعِقابِ أي: لمن تمرّد وطغى، وآثر الحياة الدنيا، وعتا عن أوامر الله وبغى، والملاحظ أنه كثيرا ما يقرن تعالى بين وصفيه الغفور التوّاب، وبين شديد العقاب، ليبقى العبد بين الرجاء والخوف ذِي الطَّوْلِ أي: ذي الغنى والفضل، وذي النعم والفواضل. قال ابن كثير:
والمعنى أنه المتفضّل على عباده، المتطوّل عليهم بما هم فيه من المنن والإنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا نظير له في جميع صفاته، فلا إله غيره ولا ربّ سواه إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع والمآب، فيجازي كل عامل بعمله
ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ أي: ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أي: الجاحدون لآيات الله وبراهينه، أي: ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والإنكار لها إلا الذين كفروا، قال النسفي: فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، واستنباط معانيها، وردّ أهل الزيغ بها، فأعظم جهاد في سبيل الله فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ أي: في أموالها ونعيمها وزهرتها بالتجارات النافعة، والمكاسب المربحة، والانتصارات السياسية والعسكرية، والغلبة للخصوم، فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب في الدنيا والآخرة.
ثم بيّن تعالى كيف ذلك فقال: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: والأحزاب الذين تحزّبوا على الرسل، وناصبوهم من كل أمة بعد قوم نوح، كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ أي:
ليتمكنوا منه فيقتلوه. قال ابن كثير: أي: حرصوا على قتله بكل ممكن ومنهم من قتل