وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا أي لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا، فالكلام عن المجئ المخصوص بميقات الله وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أي بلا واسطة ولا كيفية. فكلام الله الأزلى ليس كمثله شئ. وقال بعضهم إنه كان يسمع الكلام من كل جهاته. قال النسفي:
وذكر الشيخ في التأويلات أن موسى عليه السلام سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى وكان اختصاصه باعتبار أنه أسمعه صوتا تولى تخليقه من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسبا لأحد من الخلق.
قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال النسفي لما سمع كلامه طمع في رؤيته لغلبة شوقه فسأل الرؤية والمعنى أرني ذاتك انظر إليك أي: مكني من رؤيتك بأن تتجلى لي حتى أراك. قال النسفي: وهو دليل لأهل السنة (أي ضد المعتزلة) على جواز الرؤية (أي لله تعالى) فإن موسى (وهو الأعلم بالله) اعتقد أن الله تعالى يرى حتى سأله، واعتقاد
جواز ما لا يجوز على الله كفر. قالَ لَنْ تَرانِي أي بالعين الفانية في هذه الدنيا الفانية بل بعين باقية في الدار الباقية قال النسفي: وهو دليل لنا أيضا (أي لأهل السنة على المعتزلة في موضع رؤية الله في الدار الآخرة) لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لأخبر بأنه ليس بمرأى إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ أي فإن بقي على حاله فَسَوْفَ تَرانِي قال النسفي: وهو دليل لنا أيضا لأنه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن. وتعليق الشئ بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه. والدليل على أنه ممكن قوله جَعَلَهُ دَكًّا ولم يقل اندك، وما أوجده تعالى كان جائزا أن لا يوجد لو لم يوجده لأنه مختار في فعله، ولأنه تعالى ما آيسه عن ذلك ولا عاتبه عليه. ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ حين سأل إنجاء ابنه من الغرق.
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ قال النسفي: أي ظهر وبان ظهورا بلا كيف، قال الشيخ أبو منصور رحمه الله معنى التجلي للجبل ما قاله الأشعري: إنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى به. وهذا نص في إثبات كونه مرئيا. وبهذه الوجوه يتبين جهل منكري الرؤية، وقولهم بأن موسى عليه السلام كان عالما بأنه لا يرى، ولكن طلب قومه أن يريهم ربه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فطلب الرؤية ليبين الله تعالى أنه ليس بمرئي، باطل، إذ لو كان كما زعموا لقال: أرهم