للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها، وإذ قرر الله عزّ وجل اقتضاء النعمة للشكر، واقتضاء الشكر والكفر للحساب والعقاب، وبعد أن أمر المؤمنين بالصفح عن الكافرين، وهذا في سياق إنزال الكتاب، فمن ثمّ يحدثنا الله عزّ وجل عن أن هذا الإنزال على محمد صلّى الله عليه وسلم ليس بدعا، وما تقابل به هذه الشريعة ليس جديدا، وما يحدث من اختلاف عليها ليس غريبا قال تعالى:

وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ أي:

أي: التوراة وَالْحُكْمَ أي: الحكمة والفقه، أو فصل الخصومات بين الناس.

وَالنُّبُوَّةَ فكان الأنبياء فيهم كثيرين وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي: مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أي: على عالمي زمانهم

وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ أي: آيات ومعجزات مِنَ الْأَمْرِ أي: من أمر الدين فَمَا اخْتَلَفُوا أي: فما وقع الخلاف بينهم في الدين إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ أي:

إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم، وإنّما اختلفوا لبغي حدث بينهم، أي: لعداوة هي أثر عن ظلم وحسد بينهم إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ قال ابن كثير: أي: سيفصل الله بينهم بحكمه العدل، وهذا فيه تحذير لهذه الأمّة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم، ولهذا قال جل وعلا:

ثُمَّ جَعَلْناكَ بعد اختلاف أهل الكتاب عَلى شَرِيعَةٍ أي: على طريقة ومنهاج مِنَ الْأَمْرِ أي: من أمر الدين فَاتَّبِعْها أي: فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي: ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة

إِنَّهُمْ أي: إن أهل الهوى والجهل لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: من العذاب وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ للمشاركة فيما بينهم وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ وهم موالوه. قال النسفي:

(وما أبين الفضل بين الولايتين) أي: ولاية الظالمين بعضهم لبعض، وولاية الله للمتقين، فكن أيها المسلم تقيا لتكون لله وليا،

قال تعالى هذا أي: القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ أي: عيونا لقلوبهم ترى فيها الأشياء على حقيقتها. قال النسفي:

(جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحا وحياة) ثم قال تعالى مكملا الحديث عن كتابه: وَهُدىً أي: من الضلال وَرَحْمَةٌ من العذاب لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي: لمن آمن وأيقن.

قال صاحب الظلال في الآية الأخيرة: (ووصف القرآن بأنه بصائر للناس يعمق معنى الهداية فيه والإنارة. فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن

<<  <  ج: ص:  >  >>