يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي: استراق العين النظر إلى ما لا يحل وَما تُخْفِي الصُّدُورُ أي: ما تسرّه من أمانة وخيانة. قال النسفي: وقيل (في الآية): هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوة مسارقة،
ثم يتفكّر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته، والله يعلم ذلك كله وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي: والذي هذه صفاته لا يحكم إلا بالعدل وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي: من آلهة مزعومة لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ أي: لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء، لأنّهم ليس لهم مؤهلات الحكم إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ أي: لأقوال خلقه الْبَصِيرُ بهم. قال النسفي (هذا تقرير لقوله) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وأنه يعاقبهم عليه، وتعريض بما يدعون من دونه وأنها لا تسمع ولا تبصر).
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ كلها أخبار لقوله تعالى في أول الآية: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ ... فإذا تذكّرنا أن هذه الآية امتداد لقوله تعالى في أول السورة: حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ندرك أن الله عزّ وجل عرّفنا على ذاته في هذه المقدمة. ومما عرفنا به على ذاته: أنه منزل القرآن، ومنزل الوحي، ومرسل الرسل، والحاكم بين العباد بالحق والعدل، وأنه هو الذي أمر رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم بالإنذار.
٢ - [العلاقة بين الآيات السابقة والمحور]
نلاحظ أن بعد هذه المقدمة يأتي قوله تعالى مباشرة: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ... مما يشير أنّه لمّا أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم بالإنذار رفض الكافرون هذا الإنذار، ومن ثم خاطبهم ولفت نظرهم إلى ما فعله في المكذبين السابقين. فإذا أدركنا هذه النقطة نعرف أنّ محور السورة الرئيسي هو قوله تعالى من سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ولكن كما أنّ سورة البقرة