قال الألوسي:(في مفتاح السعادة لابن القيم أنه لولا النبوات لم يكن في العالم علم نافع البتة، ولا عمل صالح، ولا صلاح في معيشة، ولا قوام لمملكة، ولكان الناس بمنزلة البهائم والسباع العادية، والكلاب الضارية التي يعدو بعضها على بعض، وكل خير في العالم فمن آثار النبوة، وكل شر وقع في العالم أو سيقع فبسبب خفاء آثار النبوة ودروسها، فالعالم جسد روحه النبوة، ولا قيام للجسد بدون روحه، ولهذا إذا انكسفت شمس النبوة من العالم، ولم يبق في الأرض شئ من آثارها البتة، انشقت سماؤه، وانتثرت كواكبه، وكورت شمسه، وخسف قمره، ونسفت جباله، وزلزلت أرضه، وأهلك من عليها، فلا قيام للعالم إلا بآثار النبوة).
[كلمة في السياق]
ما الصلة بين هذه الآية وما سبقها؟ نلاحظ أنه ورد قبل هذه الآية قوله تعالى أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً كما ورد قبل ذلك قوله تعالى أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ ومن ثم فبعد أن رد أكثر من رد على اتخاذ الإنسان مع الله إلها، جاءت هذه الآية لتؤكد أن كل رسول بعث بالتوحيد فحجة الله قائمة على البشر.
أما الصلة بين هذه الآية وسياق السورة الخاص فتجده إذا تذكرت قول الكافرين كما قصه الله علينا بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ فهذه الآية تقول إن الأولين قد أرسلوا بالتوحيد، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم أرسل بالتوحيد ورسالته مؤكدة لرسالات الرسل من قبله، فلماذا يطالبون بالآيات، ويرفضون المضمون، وهو مضمون كل رسالة لله، ولماذا يسمون هذه الرسالة هذه الأسماء وينعتونها هذه النعوت؟ وهي استمرار لرسالات الله.
وبعد أن يصل السياق إلى هذه الآية يعرض لنا السياق قولا جديدا من أقوال الكافرين بعد كان قولهم الأول: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ وقولهم الثاني: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ وقولهم الجديد الذي سنعرضه الآن هو: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً قائل هذا القول بعض قبائل العرب، كخزاعة التي كانت تزعم أن الملائكة بنات الله، كما أنه قول النصارى في المسيح، وقول طائفة من اليهود في عزير، وقول الكثير من البشر في أنبيائهم على مر العصور، وقد ذكر الله عزّ وجل هذا القول