للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا* أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وقال تعالى:

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الآية، وهكذا هذه الآية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز جل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال

الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ؟ وهذا اختيار ابن جرير). فهذا دليل على صلة معاني سورة الصف بما جاء في مقدمة سورة البقرة ولنتابع عرض الفقرة الأولى من سورة الصف:

وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ دل ذلك على أن رسالة عيسى عليه السلام كانت إلى بني إسرائيل خاصة، ونصوص الأناجيل الحالية مع كل ما طرأ عليها تذكر ذلك، وتؤكده كما سنرى في الفوائد مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وهذا كذلك موضوع مقرر ومذكور في الأناجيل الحالية على تحريفها؛ ولذلك فالنصارى يعتمدون كتب العهد القديم على خلاف بينهم في بعض الأمور، وإنما أذكر هذا لأن في دقة عرض القرآن لمثل هذه الأمور بمثل هذا البيان والإحاطة دليلا على ربانية مصدره وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ أقول: وهذا كذلك لا زالت نصوصه موجودة في الأناجيل الحالية على تحريفها لمن تأمل أصولها المترجمة عنها، أو رأى طبعاتها العربية الأولى، وعرف شيئا من معاني بعض الكلمات التي لم تترجم، وقد نقلنا ذلك كله في كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم) في فصل البشارات، ورأينا نموذجا عنه في هذا التفسير أثناء الكلام عن سورة الأعراف، ولنا في الفوائد عودة إليه، قال النسفي في الآية: يعني أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر فَلَمَّا جاءَهُمْ أي: عيسى أو محمد عليهما السلام بِالْبَيِّناتِ أي: بالمعجزات قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ أي: واضح، فوجود أمثال هؤلاء مع رغبتهم في إنهاء الإسلام مبرر من مبررات مشروعية القتال.

<<  <  ج: ص:  >  >>