وقد فهم النسفي أنّ الآية تدليل على المعنى الذي ورد قبلها فقال: كأنه قيل: الدليل على أنه لو أحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء؛ أنكم تدعون إلى ربع العشر فمنكم من يبخل. أقول: والظاهر أن الآية أوسع من أن يكون المراد بها الدعوة إلى الزكوات وحدها، بدليل أنها آتية في سياق الجهاد وَاللَّهُ الْغَنِيُّ أي: عن كل ما سواه، وكلّ شئ فقير إليه دائما وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ إليه. فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه، قال النسفي:(أي إنّه لا يأمر بذلك لحاجته إليه؛ لأنه غني عن الحاجات، ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب) ثم قال تعالى وَإِنْ تَتَوَلَّوْا قال النسفي: (أي وإن تعرضوا أيها العرب عن طاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلم والإنفاق في سبيله. أقول: وإن تعرضوا أيها العرب عن الجهاد ولوازمه يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يحملون هذا الدين ويقومون برفع لوائه ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ بل أطوع لله منكم. وقد رأينا سنة الله هذه تتكرر خلال التاريخ، فلا يتخلى شعب عن حمل هذا الإسلام حتى يحمله شعب آخر.
[كلمة في السياق]
تحدثنا أثناء عرض المقطع الثاني عن سياق المقطع، وصلة المقطع بما قبله، وصلته بسياق السورة عامة، ورأينا تحذير الله هذا الشعب العربي أن يتولى عن حمل دينه، وإن صلة ذلك بمحور السورة واضحة، فالله عزّ وجل يحذّر هذا الشعب أن يكون من الفاسقين الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ بالردة وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ بقطيعة الرحم وترك موالاة المؤمنين وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بتطبيق شرع غير شرعه، وللأسف فإن هذا الشعب فعل هذا كله فارتد، وقطع الرحم، وأفسد في
الأرض، لقد فعل هذا كله ونحن نرى هذا واضحا، ومن ثم فلا بد من جهد لإعادة الأمر إلى نصابه، ونرجو ألا يكون ذلك بعيدا، ولنا عودة على السورة وسياقها ومحلها في الكلمة الأخيرة عنها فلننقل الآن بعض الفوائد.
فوائد [حول آيات المقطع الثاني]:
١ - [كلام ابن كثير والألوسي عن مبطلات الأعمال بمناسبة آية .. وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ .. ]
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ قال ابن كثير: (وقد روى الإمام أحمد بن نصر المروزي في