قرنا. ومن ثمّ ينحصرون داخل حدود جغرافية أو جنسية؛ ولا يدركون أن القضية في حقيقتها هي قضية الكفر والإيمان؛ وأن المعركة في صميمها هي المعركة بين حزب الله وحزب الشيطان.
وما أحوج المسلمين اليوم في جميع بقاع الأرض أن يدركوا طبيعة المعركة وحقيقة القضية؛ فلا تلهيهم عنها تلك الأعلام الزائفة التي تتستّر بها أحزاب الشرك والكفر، فإنهم لا يحاربون المسلمين إلا على العقيدة، مهما تنوّعت العلل والأسباب.
والإيحاء الآخر هو تلك الثقة المطلقة في وعد الله، كما تبدو في قولة أبي بكر- رضي الله عنه- في غير تلعثم ولا تردد، والمشركون يعجبونه من قول صاحبه؛ فما يزيد على أن يقول: صدق. ويراهنونه فيراهن وهو واثق. ثم يتحقق وعد الله، في الأجل الذي حدده: فِي بِضْعِ سِنِينَ .. وهذه الثقة المطلقة على هذا النحو الرائع هي التي ملأت قلوب المسلمين قوة ويقينا وثباتا في وجه العقبات والآلام والمحن، حتى تمت كلمة الله، وحقّ وعد الله. وهي عدة كل ذي عقيدة في الجهاد الشاق الطويل.
والإيحاء الثالث هو في تلك الجملة المعترضة في مساق الخبر، من قول الله سبحانه:
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. والمسارعة برد الأمر كله لله. في هذا الحادث وفي سواه. وتقرير هذه الحقيقة الكلية، لتكون ميزان الموقف وميزان كل موقف.
فالنصر والهزيمة، وظهور الدول ودثورها، وضعفها وقوتها. شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال، مرده كله إلى الله، يصرّفه كيف شاء، وفق حكمته ووفق مراده. وما الأحداث والأحوال إلا آثار لهذه الإرادة المطلقة، التي ليس لأحد عليها من سلطان).
٣ - وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ إلى يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ:
(فالأمر له من قبل ومن بعد. وهو ينصر من يشاء. لا مقيد لمشيئته سبحانه.
والمشيئة التي تريد النتيجة هي ذاتها التي تيسّر الأسباب. فلا تعارض بين تعليق النصر بالمشيئة ووجود الأسباب. والنواميس التي تصرّف هذا الوجود كله صادرة عن المشيئة الطليقة. وقد أرادت هذه المشيئة أن تكون هناك سنن لا تتخلّف؛ وأن تكون هناك