للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل غيره ولا خارجين عن شريعته صَفًّا أي: صافين أنفسهم كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ أي: ملتصق بعضه ببعض، متماسك أشد التماسك، والمراد بذلك أن يدخلوا المعركة برأي موحد، وأن يأخذ كل منهم محله فيها، وألا يكون في صفهم كله خلل، قال قتادة: ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه فكذلك الله عزّ وجل لا يحب أن يختلف أمره، وأن الله صف المؤمنين في قتالهم، وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به. أقول: وعلى هذا فمعنى الآية: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا واحدا متحدا كأنهم بنيان مرصوص في تماسكه، والبنيان المرصوص له جدران وله سقف، وفيه ما يواجه، وفيه ما هو مستور، وفيه أشياء تؤدي خدمات، وهو مع هذا كله متماسك، ففي التشبيه بالبنيان إشارة إلى أن المراد بذلك: التماسك والتعاون وتكامل المواقف وعدم التخاذل وعدم وجود الثغرات، لا مجرد الاصطفاف، فعند ما تتعاون صنوف الأسلحة والرجال وكل الأجهزة لتحقيق الهدف دفاعا أو هجوما ضمن خطة واحدة وقيادة واحدة فذلك شئ يحبه الله عزّ وجل، وبعد أن بين الله عزّ وجل أن أحب الأعمال إليه القتال المنظم في سبيله يذكر في الآيات التالية مبررات القتال، فاليهود انحرفوا وانحرافهم يحتاج إلى قتال، والنصارى انحرفوا وانحرافهم يحتاج إلى قتال، والناس رفضوا الإسلام ظالمين، وهذا يحتاج إلى قتال، والناس يرغبون أن ينهوا هذا الإسلام ويستأصلوه، وهذا يحتاج إلى قتال، والله عزّ وجل أرسل رسوله بدينه الحق ليظهره على الأديان كلها وهذا يحتاج إلى قتال، وقد سيقت هذه المعاني كلها ضمن سياق يفيد ما ذكرناه، ويفيد معاني أخر، وهكذا نجد الآية القرآنية في محلها تعطيك مدلولات كثيرة ما كانت لتعطيك إياها لولا وجودها في محلها.

...

وَإِذْ أي: واذكر إذ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بني إسرائيل يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ قال ابن كثير: أي: لم توصلون الأذى إلي وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة، وقال النسفي: أي: لم تؤذونني عالمين علما يقينيا أني رسول الله إليكم، وقضية علمكم بذلك توقيري وتعظيمي لا أن تؤذوني فَلَمَّا زاغُوا أي: مالوا عن الحق أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي: أمالها عن الهداية.

قال النسفي: لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم، أو فلما اختاروا الزيغ أزاغ

<<  <  ج: ص:  >  >>