يغتسل منها، فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى. قال ابن كثير:(ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عينا أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا) ولهذا قال تبارك وتعالى:
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ اضرب برجلك الأرض، فضربها، فنبعت عين فقيل له: هذا مغتسل بارد وشراب. قال النسفي:(أي هذا ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وقيل: نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله تعالى).
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال ابن كثير:(قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم) رَحْمَةً مِنَّا أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أي ولتذكير أولي الألباب، لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه- لصبره وأوّابيّته- رغّبهم ذلك الصبر والأوّابيّة ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج، والمخرج والرحمة
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً أي: حزمة صغيرة من حشيش، أو ريحان أو غير ذلك فَاضْرِبْ بِهِ زوجتك وَلا تَحْنَثْ أي: بيمينك، قال ابن كثير:(وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته، وقيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إيّاه فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنّها مائة جلدة، وقيل لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله عزّ وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة، والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عزّ وجل أن
يأخذ ضغثا: وهو الشمراخ، فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد برّت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره.
وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه). وقال النسفي:(وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ، فحلل الله يمينه بأهون شئ عليه وعليها؛ لحسن خدمتها إياه، وهذه الرخصة باقية، ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة، والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة، فحرج صدره، وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام). إِنَّا وَجَدْناهُ أي: علمناه صابِراً أي: على البلاء، صحيح أنّه قد شكا إلى الله ما به واسترحمه، لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعا بل هي محض العبودية، ثم أثنى الله تعالى عليه ومدحه بقوله نِعْمَ الْعَبْدُ أيوب إِنَّهُ أَوَّابٌ أي: رجّاع منيب.