وتنكير (ظنا) للنوعية وفي تخصيص هذا الاتباع بالأكثر الإشارة إلى أن منهم من قد يتبع فيقف على حقيقة التوحيد لكن لا يقبله مكابرة وعنادا. وفيه دليل لمن قال: إن تحصيل العلم في الاعتقاد واجب، وإن إيمان المقلد غير صحيح، وإنما لم يؤخذ عاما للعمليات لقيام الدليل على صحة التقليد والاكتفاء بالظن فيها كما قرر في موضعه)
ولما نعى الله على السائرين وراء الظنون والأوهام، ولما كان الطريق للخلاص من ذلك هو القرآن فقد قال تعالى بعد ذلك: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ما صح وما استقام في منطق العقل أن يكون مثل هذا القرآن في علو أمره، وإعجازه، وكثرة معجزاته، منسوبا إلى الله كذبا، فهذا القرآن بفصاحته وبلاغته وحلاوته واشتماله على ما اشتمل عليه لا يكون إلا من عند الله وَلكِنْ أنزل تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي من الكتب المتقدمة، مصدقا لها ومهيمنا عليها، ومبينا لما وقع من التحريف والتبديل وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ أي وتبيين الكتاب، أي وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بيانا شافيا كافيا حقا لا مرية فيه من الله رب العالمين، فصار المعنى: إن هذا القرآن في علو شأنه ما كان أن يفترى من دون الله، ولكن كان تصديقا للوحي
السابق وتفصيلا للفرائض منتفيا عنه الريب، كائنا من رب العالمين، أو لكن كان تصديقا من رب العالمين للكتب السابقة، وتفصيلا منه لا ريب في ذلك، وبهذا تقرر في هذه الآيات الثلاث أن الله هو الهادي، وأن من مظاهر هدايته هذا القرآن، وأن من يتبع غير هدايته فهو في ضلال، فيا أيها المتعجبون أن ينزل الله وحيا ويرسل رسولا أعلموا ذلك، فالحجة قائمة عليكم أن هذا القرآن من عند الله، فلا تتعجبوا، فإن عجبكم في غير محله، وهكذا أقامت هذه المجموعة الحجة على الكافرين في موضوع الوحدانية واليوم الآخر والرسول والقرآن، وتوضيح الحق في هذه الأشياء ضروري لتحطيم فكرة الكافرين في العجب من أن ينزل الله وحيا ويرسل رسولا مبشرا ومنذرا. وبهذا ينتهي عرض المقطع الأول من القسم الأول من سورة يونس وقبل أن ننتقل إلى المقطع الثاني في هذا القسم فلنتكلم كلمة حول السياق.
[كلمة حول السياق]
رأينا أن محور سورة يونس هو قوله تعالى من سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وذكرنا أن سورة يونس تتألف من مقدمة وثلاث أقسام وخاتمة. وهاهنا