للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوفا بعد قوله تعالى: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ ففسرها بقوله (يخوفكم). وفسرها النسفي بأن الشيطان يخوف من يواليه من المنافقين. ومن ثم فإن الخوف يلازم النفاق؛ ثم نهى الله عباده المؤمنين أن يخافوا أولياء الشيطان قال تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. أي: إن كنتم مؤمنين حقا فلا تخافوا أولياء الشيطان، بل خافوا الله

وحده؛ لأن مقتضى الإيمان أن يؤثر العبد خوف الله؛ فيطيعه ولا يعصيه ومن خاف الله خافه كل شئ، وسخر له كل شئ؛

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على إيمان الناس، وكان يحزنه كفر من كفر فضلا عن كفر من آمن، قال الله تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ هذا النهي فيه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى هذا الموضوع بعين الحكمة لا بعين الرحمة.

إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً. أي: إنهم بمسارعتهم للكفر لن يضروا دين الله ولا أولياءه؛ وهذه بشارة عظيمة للمؤمنين؛ فإذا صبروا واتقوا، فإن من يسارع إلى الكفر لن يضر إلا نفسه، وما وبال ذلك عائد إلا عليه، وقد بين الله- عزّ وجل- كيف أن وبال ذلك لا يعود إلا عليه بقوله: يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. أي: يريد الله بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة، فالحظ: هو النصيب. ومع حرمانهم من ثواب الله وجنته فإن لهم عذابا عظيما؛ وأي ضرر يضر به الإنسان نفسه أبلغ من هذا الضرر! أن يحرمها جنة الله، وأن يدخلها ناره.

ثم قال تعالى مخبرا عن ذلك إخبارا مقررا إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ. أي: استبدلوا هذا بهذا لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً. أي: لن يضروه أي ضرر، ولكن يضرون أنفسهم. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ عقوبة لهم. وهل الآيتان الأخيرتان في المنافقين، أو في الكافرين كفرا أصليا، أو الأولى في الكافرين، والثانية في المنافقين، أو العكس، أو الأولى في المرتدين، والثانية في الكفار كلهم؟ كل ذلك تحتمله الآيتان. وبهذا نكون قد انتهينا من استعراض المعنى الحرفي للفقرة الأولى من المقطع الثالث. فلننقل بعض الفوائد التي تتعلق بها، وتساعد على فهمها.

[فوائد]

١ - روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم يوم أحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب

<<  <  ج: ص:  >  >>