لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ هذا بيان لتنزهه مما نسب إليه بمعنى أن كل ما فيهما خلقه، وملكه، فكيف يكون بعض ملكه جزءا منه، إذ البنوة والملك لا يجتمعان. على أن الجزء إنما يصح في الأجسام، وتعالى الله- عزّ وجل- عن أن يكون جسما. وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. أي حافظا ومدبرا لهما ولما فيهما. ومن عجز عن كفاية أمر احتاج إلى ولد يعينه، أما الله فهو الذي يحتاج إليه كل شئ، فأنى يكون له ولد؟
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ. أي: لن يأنف من العبودية لله وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ. أي: الكروبيون أي العرشيون الذين هم حول العرش، وجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومن في طبقتهم. والمعنى ولا الملائكة المقربون يأنفون أن يكونوا عبادا لله، وفي ذلك رد على النصارى ومن عبد الملائكة من العرب. وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ. أي: ومن يترفع عن عبادة الله، ويطلب الكبرياء فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فيجازيهم على استنكافهم واستكبارهم.
ثم فصل المجازاة فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ. أي: فيعطيهم ثواب أعمالهم وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. أي: ويعطيهم زيادة على ذلك من إحسانه وسعة رحمته، وامتنانه وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وقد فصل الله- عزّ وجل- في ذلك حال المتكبرين عن عبادته، وحال العابدين مع أن المذكور أحد الفريقين. وسبب ذلك أن ذكر أحد الفريقين يدل على ذكر الثاني، وأن ذكر الإحسان إلى النوع الثاني مما يفهم، فكان داخلا في جملة التنكيل بهم، فكأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب عذابين: بالحسرة إذا رأى أجور العاملين، وبما يصيبه من عذاب الله.
[فصل في الأناجيل والتثليث]
الأناجيل التي تعترف بها الكنائس منذ زمن بعيد هي: إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، ولكن التاريخ يروي لنا أنه كانت في العصور الغابرة أناجيل أخرى قد أخذت بها فرق قديمة، فعند كل من أصحاب مرقيون، وأصحاب ديصان إنجيل يخالف بعضه الأناجيل، ولأصحاب ماني إنجيل يخالف هذه الأربعة، وهناك إنجيل اشتهر باسم التذكرة، وإنجيل سرن تهس. ويذكر التاريخ أمرا أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي ابتدأت بأبويته سنة (٤٩٢) يعدد فيه أسماء الكتب المنهي عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يسمى إنجيل برنابا، وكل هذه الأناجيل شيء، والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام شئ آخر، فهذه قصة حياة فيها بعض الوحي قد اختلط بأشياء كثيرة؛ ولذلك