للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي: من بعد إضلال الله إياه أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتتعظون، فأصل الشر متابعة الهوى، والخير كله في مخالفته.

كلمة في السياق: [حول تفصيل السورة لأسباب عقوبة الله للكافرين]

رأينا قبل أن محور السورة هو الآيات السبع الأولى من سورة البقرة والتي فيها:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وقد رأينا في الآية التي مرّت معنا أن سبب هذا الختم هو اتباع الهوى، وقد رأينا كذلك في السورة من قبل سبب الضلال، من إفك، وإثم، واستكبار، فالسورة إذن تفصّل في أسباب عقوبة الله للكافرين، إذ يختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم، وتحدّد للمؤمنين موقفهم منهم وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ .. وتبين عدم استواء هؤلاء وهؤلاء في الدنيا والآخرة، وتبيّن ما لهؤلاء وهؤلاء في الدنيا والآخرة. وبعد أن بيّن الله عزّ وجل سبب ضلال الكفار- وهو اتباع الهوى- يعرض علينا شبهة من شبههم التي يتكئون عليها في كفرهم باليوم الآخر، وذلك هو علّة أمراضهم.

وَقالُوا ما هِيَ أي: ما الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن فيها نَمُوتُ وَنَحْيا أي: نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا، أو يموت بعض ويحيا بعض، أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب، ونحيا بعد ذلك، أو يصيبنا الأمران: الموت والحياة، يريدون أنّه لا حياة إلا الحياة الدنيا وأن الموت بعدها، وليس وراء ذلك حياة. ويشبه هذا القول قول القائلين بالتناسخ، إذ يقولون: إن الإنسان يموت، ثم تجعل روحه في موات فيحيا به وهكذا دواليك وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله، وكانوا يضيفون كلّ حادثة تحدث إلى الدهر والزمان، لذلك ترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي: ما يقولون ذلك عن علم ويقين، ولكن عن ظنّ وتخمين إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي: يتوهمون ويتخيلون

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ أي: إذا استدل عليهم وبيّن لهم الحق، وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان

<<  <  ج: ص:  >  >>