للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف، حتى عند الحيوان، وأنهم لا يتجاوزون إطار الحق والعدل والمباح إلى غيره.

وهذا درس في السياسة مهم، فعلى رئيس الدولة أن يضبط جنده بضابط العدل. وهذا لا يتم إلا بفقه وتربية وإلزام وعقاب للمخالف. فليلاحظ هذا الدرس، وليضع الذين يكرمهم الله بالملك مثل هذا الدرس موضع التطبيق. ولنعد إلى التفسير:

...

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ التفقد: طلب ما غاب عنك فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ والمعنى: أنه تعرف الطير فلم يجد الهدهد فقال ما لي لا أراه، على معنى أنه لا يراه، وهو حاضر لساتر ستره، أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول بل هو غائب، ومن ثم قال: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ قال ابن كثير أي: أخطأه بصري من الطير، أم غاب فلم يحضر؟

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً لم يحدد القرآن نوع العذاب الشديد، وللمفسرين كلام كثير في تحديده، ويبدو أنهم أخذوه استنتاجا أو تلقيا عن أهل الكتاب، وقد لخص النسفي هذه الأقوال بقوله: بنتف ريشه، وإلقائه في الشمس، أو بالتفريق بينه وبين إلفه، أو بإلزامه خدمة أقرانه، أو بالحبس مع أضداده، وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد، أو بإيداعه القفص، أو بطرحه بين يدي النمل ليأكله، وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع، وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة. أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ عقوبة له أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة له فيها عذر ظاهر على غيبته، ومعنى كلامه: ليكونن أحد الأمور، يعني: إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب، ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما.

...

[فوائد]

١ - في قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ درس من دروس الحكم؛ إذ دل ذلك على أن سليمان كان يعرف الصغيرة والكبيرة من أمر جنده، وعلى أن أي خلل يخل به أحد من جنده كان يعرفه ويشعر به ويبحث عن سببه.

٢ - وفي قول سليمان لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>