مُبِينٍ درس آخر من دروس الحكم، بل دروس، فالخلل لا بد أن يعالج بالعقوبة، ومن ثم قال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ولكن العذاب أو الذبح بعد إذ لم يكن عذر ومن ثم قال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وإذن فقبل العقوبة لا بد من معرفة سبب الغياب، وهذا هو الدرس الثاني، والدرس الثالث: دقة كلام الحاكم وإحاطته واختصاره، وإظهار الغضب إذا وجد الخلل والتهديد بالعقوبة به بحيث يسمعها الجند.
٣ - قدم ابن كثير للكلام عن الهدهد وتفقد سليمان له بما يلي:
(قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره: كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشئ الظاهر على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض، فإذا دلهم عليه أمر سليمان عليه السلام الجان، فحفروا ذلك المكان حتى يستنبط الماء من قراره، فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا، وفي القوم رجل من الخوارج يقال له نافع بن الأزرق، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس فقال له: قف يا ابن عباس غلبت اليوم، قال ولم؟ قال أتخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ، ويحثو على الفخ ترابا فيجئ الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ، فيصيده الصبي، فقال ابن عباس: لولا أن يذهب هذا فيقول: رددت على ابن عباس لما أجبته، ثم قال له:
ويحك إنه إذا نزل القدر عمي البصر وذهب الحذر، فقال له نافع: والله لا أجادلك في شئ من القرآن أبدا).
أقول: إن ذكر هذه الخاصية عند الهدهد شئ ليس فيه نص في كتابنا، ولا عن رسولنا عليه الصلاة والسلام، وإنما هو كلام كبار المفسرين، ولا نعرف من أين أخذوه، هل هو استنباط أو تلق عن أهل الكتاب، وعلى كل حال فليس من المستبعد أن يكون عند بعض المخلوقات مثل هذه الخواص، ففي عصرنا صار بإمكان بعض الاختصاصيين بعلم الجيولوجيا أن يعرفوا من خلال دراسة التربة احتمالات وجود الماء أو البترول في باطن الأرض، كما أنه قد وجدت أجهزة تستطيع أن تستكشف الكثير مما هو في باطن الأرض، فلا يبعد أن تكون عند بعض المخلوقات مثل هذه الخواص، ألا ترى أن خاصية الرادار موجودة عند الوطواط.