للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبحت طوائف منهم تؤله الإنسان.

٢ - وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي: عظمته، قال النسفي: ومنه قول عمر أو أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا: أي عظم في عيوننا، وفسر ابن كثير الجد بالفعل والأمر والقدرة، وقال الضحاك عن ابن عباس: جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً أي: زوجة وَلا وَلَداً أي:

تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد، أقول: هذا الكلام من الجن يدل على أنهم كانوا من بيئة نصرانية، وهذا واضح، ففي قصة سلمان الفارسي ما يشير إلى أن نصيبين بلد عريق في النصرانية، وقد عرف الجن بالبداهة تنزيه الله عزّ وجل عن الصاحبة والولد بمجرد سماعهم هذا القرآن.

٣ - وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا أي: جاهلنا أو إبليس، إذ ليس فوقه سفيه عَلَى اللَّهِ شَطَطاً أي: كفرا، لبعده عن الصواب، أو قولا جائرا باطلا وزورا يجوز فيه عن الحق، قال النسفي: (والشطط: مجاوزة الحد في الظلم وغيره)، أقول:

ربط الجن بين السفه والشطط في القول على الله وذلك فهم دقيق منهم، فما أحد يتجاوز الحق في شأن الله إلا وهو سفيه، ومنه نفهم أن السفه ينبثق عن القول الشطط في

حق الله عزّ وجل.

٤ - وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي: قولا كذبا أو قولا مكذوبا فيه، أي: كان في ظننا أن أحدا لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه، فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم، أقول:

ما ذكره الجن في هذه المقولة يعتبر من أشد أسباب الضلال في تاريخ البشرية: أن يعطي الإنسان العصمة لغير أهلها، وأن يتجاوز بالثقة حدودها، وقد عرفوا بهذا القرآن أنه لا ثقة إلا بما وافق القرآن، إن هذه البديهية من أهم بديهيات الإسلام، وكثير من الطوائف التي آباؤها مسلمون فاتتهم هذه البديهيات فأعطوا الثقة لأنواع من البشر حتى غمسوهم في الكذب على الله إلى آذانهم، سواء في تصوراتهم الخبيثة عن الذات الإلهية، أو عن اليوم الآخر، أو عن الرسول، أو عن الصحابة، أو عن القرآن، في زعمهم أن له ظاهرا وباطنا، وأن الظاهر ليس مرادا، وأمثال هذه القضايا الغريبة العجيبة.

٥ - وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ أي:

فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم رَهَقاً أي: طغيانا وسفها وكبرا، أو فزاد الجن

<<  <  ج: ص:  >  >>