إلى التقوى. نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا. ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله
تعالى: هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وإذا كان وجوب العدل مطلقا بهذه الصفة من القوة، فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه. وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما أمر ونهى.
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. هذا وعد ووعيد، ومن ثمّ أتبعه بوعد ووعيد.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم. وَأَجْرٌ عَظِيمٌ هو الجنة وما أعظم ذلك من أجر؟.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا الكثيرة في الكون وفي القرآن، وفي ما أظهره على أيدي رسله من معجزات. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. أي: لا يفارقونها.
فمنعها أن تمتدّ إليكم. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فإنه الكافي والدّافع والمانع وهذه نعمة متكرّرة شاهدها الصحابة مرات، وشاهدها المسلمون في كلّ زمان، وتذكّرها يقتضي تقوى وتوكلا، وسبب نزول هذه الآية حادثة غورث بن الحارث إذ همّ أن يفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أو حادثة كعب بن الأشرف وأصحابه إذ هموا أن يبطشوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ما ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بني النّضير ليستعينهم في دية العامريّين. فأمر اليهود عمرو بن جحاش بن كعب بذلك، أمروه إن جلس النبي صلّى الله عليه وسلّم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرّحى من فوقه، فأطلع الله النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما تمالئوا عليه، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه، وأرجّح أن تكون الآية تذكيرا بما كان يوم الأحزاب والعبرة لعموم اللفظ.
فوائد:[حول العدل في إعطاء الأولاد بعض الأموال]
١ - ثبت في الصحيحين عن النّعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أعطاني أبي عطيّة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيّة فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم- وفي رواية قال: إنني لا أشهد على جور- قال فرجع أبي فردّ تلك الصدقة».
وبعض الفقهاء يعتبرون إعطاء أحد الأولاد دون الآخرين- ما لم يكن ذلك في مرض الموت، أو كان وصية لما بعد الموت- يعتبرونه جائزا لكنّه يفقد صاحبه أجر العدل غير