١ - دلّت الآيتان على أنّ نصرة الله لرسله محقّقة، ولكن ليس شرطا أن يروها، فإذا كانت النصرة بالتعذيب، فقد يأتي التعذيب بعد انتقال الرسول، وهاهنا نحبّ أن ننبّه إلى أمر: وهو أننا نلاحظ أن كلا من هاتين الفقرتين في المقطع بدأت بقوله تعالى:
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وقد يراد بالوعد في الآية الأولى وعد الله يوم القيامة، والوعد المذكور في الآية الثانية [فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ] قد يراد به وعد الله بالنصر في الدنيا.
٢ - قال الله عزّ وجل في هذه الآيات وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وهذا يشعر أن الكافرين يقترحون على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الآيات ولذلك فإن الله عزّ وجل يلفت النظر فيما يأتي إلى آية من آياته في الكون.
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ أي: خلق لَكُمُ الْأَنْعامَ البقر والإبل والغنم والماعز لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي: لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها
وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ في ألبانها وأوبارها وجمالها وغير ذلك وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ أي: لتبلغوا عليها ما تحتاجون إليه من الأمور وَعَلَيْها أي: وعلى الأنعام وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ تفضلا من الله ونعمة قال ابن كثير: (فالإبل تركب وتؤكل وتحلب، ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية والأقطار الشاسعة، والبقر تؤكل ويشرب لبنها ويحرث عليها الأرض، والغنم تؤكل ويشرب لبنها، والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة، كما فصّل وبيّن في أماكن تقدم ذكرها في سورة الأنعام وسورة النحل وغير ذلك).
وَيُرِيكُمْ آياتِهِ أي: حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ أي: لا تقدرون على إنكار شئ من آياته، فكيف تقترحون الآيات وهي مبثوثة أمامكم، وكيف لا تؤمنون والآيات مرئية مشاهدة، ولماذا تجادلون وتعاندون وتكابرون والأمر أوضح من كل واضح
أَفَلَمْ يَسِيرُوا أي: أفلم يسر هؤلاء الكافرون المعاندون المجادلون فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ أي: نهاية الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ عددا وَأَشَدَّ قُوَّةً أي: في أبدانهم وَآثاراً خلّفوها فِي الْأَرْضِ والظاهر أنّ الخطاب لقريش المخاطبين