جاء النهي عن إكراه الإماء على الزنا بعد الكلام عن إنكاح الإماء والعبيد ومكاتبتهم، لعلاقة ذلك ببعضه بعضا، والصلة بين ذلك وبين السورة كلها واضحة، فبعد أن تحدث السياق عن كل ما يتعلق ويحيط بموضوع الزنا، كان من المناسب أن يذكر في آخر هذا المقطع المؤلف من أربع مجموعات هذا الموضوع، ثم هو حكم من أحكام الإسلام الذي أمرنا في الدخول فيه كله، والإكراه عمل من أعمال الشيطان وهو زلل، يقتضي أن يعرف ما ينبغي فعله إذا وجد، وهي معان ترتبط كلها بمحور السورة، ولم يبق عندنا من المجموعة الرابعة، إلا آية هي خاتمة هذه المجموعات الأربع، التي تشكل المقطع الأول من السورة فلنرها:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ قال ابن كثير: يعني القرآن فيه آيات واضحات مفسرات، ومن الآيات الواضحات آيات هذه السورة التي اجتمع فيها من الإعجاز الكثير وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ قال ابن كثير: أي خبرا عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى كما قال تعالى فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ أي زاجرا عن ارتكاب المآثم والمحارم وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أي زاجرا عن ارتكاب المآثم والمحارم لمن اتقى الله وخافه، أي هم المنتفعون بها وإن كانت موعظة للكل، وقد وضح من هذه الآية أن في القرآن معجزات ودلالات تدل على الله، وأن فيه قصصا وعبرا، وأن فيه موعظة وتذكيرا، فمن لم ير في الآيات، ومن لم يعتبر بما قصه الله علينا في هذا القرآن، ومن لم يتذكر ويتعظ بهذا القرآن، فإنه يكون بينه وبين القرآن حجاب، وقد جاءت هذه الآية قبل المقطع الثاني الذي فيه أروع حديث عن الله عزّ وجل، فهو نموذج كامل على أن القرآن آيات بينات وعلى أنه واعظ ومذكر، كما جاءت خاتمة لمقطعها الذي فصل وبين ووعظ وذكر فهي في محلها تخدم ما قبلها وما بعدها.
[كلمة في المقطع الأول]
تألف المقطع الأول من أربع مجموعات، بينها من الصلات والترابط ما رأيناه، وكلها يخدم تفصيل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا