لمنح الأرقاء حريتهم، واستحث الناس بوسائل الترغيب والتلقين، وأحكام الدين، وقوانين البلاد، على أن يمنوا على أرقائهم بالعتق ابتغاء لنجاتهم الأخروية، أو تكفيرا لذنوبهم حسب الأحكام الدينية، أو في مقابل مقدار معلوم من المال يأخذونه منهم.
فهذه الحركة القوية التي قام بها الإسلام في بلاد العرب أعتق النبي صلى الله عليه وسلم بموجبها ٦٣ رقبة، وأعتقت إحدى نسائه وهي عائشة رضي الله عنها ٦٧ رقبة، وأعتق عمه العباس بن عبد المطلب في حياته ٧٠ رقبة، وأعتق حكيم بن حزام رضي الله عنه مائة رقبة، وأعتق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ألف رقبة، وأعتق ذو الكلاع الحميري رضي الله عنه ثمانية آلاف رقبة، وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألف رقبة. ونجد مثل هذه النظائر كثيرة في حياة غير هؤلاء من الصحابة من أبرزهم ذكرا أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، فكأن الناس في ذلك الزمان كان بهم ولوع شديد بفعل الخيرات، ونيل رضا ربهم، فكانوا لأجل ذلك يعتقون أرقاءهم، ويشترون أرقاء غيرهم ويعتقونهم، حتى نال أرقاء الجاهلية كلهم حريتهم قبل انقضاء عهد الخلفاء الراشدين. أما قضية الرق بالنسبة للمستقبل،
فعالجها الإسلام بأن حرم تحريما باتا أن يؤسر حر ويسترق فيباع ويشترى. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«قال الله تعالى: ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره .. » رواه البخاري وغيره. غير أن الإسلام قد أذن- نعم، أذن فقط ولم يأمر- باستعباد أسارى الحرب في ما إن كانت حكومتهم لا ترضى باستردادهم من الدولة الإسلامية بمن بيدها من أساراها، ولا هم يفدون أنفسهم بأنفسهم. ولكن مع ذلك فقد ترك الإسلام مجالا واسعا في وجوههم لأن يشتروا حريتهم بالمكاتبة، كما أبقى في حقهم جميع التعاليم والأحكام المتعلقة بتحريض الناس على منح الحرية لأرقائهم القدماء، أي تحريرهم ابتغاء لمرضاة الله أو تكفيرا للذنوب، أو وصية الرجل عند وفاته بعتق رقيقه بعده- وهو ما يعبر عنه بالتدبير في المصطلح الإسلامي- أو نيل الأمة حريتها مع وفاة سيدها، سواء أكان أوصى بعتقها أو لم يوص، إن كان استمتع منها فولدت له ولدا. فهذا هو الحل الموفق الذي عالج به الإسلام قضية الرق. فالجهال لا يدركون حقيقة هذه القضية في الإسلام فيوردون عليها أنواعا من الاعتراضات، وبالجانب الآخر أن محترفي الاعتذار لا يعتذرون عن قضية الرق فحسب، بل وينكرون أصلا إباحة الإسلام للرق في أي صورة من صورها).