أي بمقدار يسلم معه العباد وتحتاج إليه البلاد فَأَنْشَرْنا أي: فأحيينا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي: أرضا ميتة لا نبات فيها. ثمّ نبّه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها فقال كَذلِكَ تُخْرَجُونَ وبهذا قامت الحجة عليهم في شأن التوحيد، وفي شأن اليوم الآخر.
ثم قال تعالى: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها قال ابن كثير: أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها. أقول: وكذلك في عالم الذرة وغيره مما يكتشفه الإنسان شيئا فشيئا: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ أي: السفن وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ أي: ما تركبونه، قال ابن كثير عن الأنعام: أي ذللها لكم وسخّرها ويسّرها؛ لأكلكم لحومها، وشربكم ألبانها، وركوبكم ظهورها؛ ولهذا قال عزّ وجلّ
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ قال ابن كثير: لتستووا متمكّنين مرتفعين على ظهوره أي:
على ظهور هذا الجنس. قال النسفي: أي على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام ثُمَّ تَذْكُرُوا بقلوبكم نِعْمَةَ رَبِّكُمْ أي: فيما سخّر لكم إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا بألسنتكم سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا أي: ذلّل لنا هذا المركوب وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أي: مطيقين
وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ أي: لراجعون في المعاد قال ابن كثير: (أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه يسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبّه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي ..
وباللباس الدنيوي على الأخروي).
نقل: قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً
(وحقيقة جعل هذه الأرض مهدا للإنسان يدركها كل عقل في كل جيل بصورة من الصور. والذين تلقوا هذا القرآن أول مرة ربما أدركوها في رؤية هذه الأرض تحت أقدامهم ممهدة للسير، وأمامهم ممهدة للزرع، وفي عمومها ممهدة للحياة فيها والنماء.
ونحن اليوم ندرك هذه الحقيقة في مساحة أعرض وفي صورة أعمق، بقدر ما وصل إليه علمنا عن طبيعة هذه الأرض وتاريخها البعيد والقريب- لو صحت نظرياتنا في هذا وتقديراتنا- والذين يأتون بعدنا سيدركون من تلك الحقيقة ما لم ندرك نحن، وسيظل مدلول هذا النص يتسع ويعمق، ويتكشّف عن آفاق وآماد كلما اتسعت المعرفة وتقدم العلم، وانكشفت المجاهيل لهذا الإنسان.