والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وَما أُنْذِرُوا أي وما أنذرهم به الرسل، وخوّفوهم به من العذاب في الدنيا والآخرة هُزُواً أي موضع استهزاء.
[كلمة في السياق]
جاءت هاتان الآيتان بعد قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا وظهر من خلالهما أن الكافر هو الذي يجادل بالباطل،
فهو الذي يحاول إزالة هذا القرآن وإضعافه، وأن هذا القرآن لم يبق حجة لأحد، وأن الكافرين اجتمع لهم- مع محاولاتهم دحض حجج الحق- أنهم يتخذون الإنذار محل هزؤ، فإذا تذكّرنا مقدمة سورة الكهف، وأنّ هذا القرآن مبشّر ومنذر، عرفنا محل هذه الآيات في السياق الخاص لسورة الكهف، وأنّ الأمثلة التي سبقتها تخدمها، وهي تخدم ما قبلها بشكل مباشر، وكما تخدم سياق سورة الكهف، فهي تخدم محورها من سورة البقرة زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا إذ بينت أن الكافرين يستهزءون بآيات الله، وبنذره، واستهزاؤهم بذلك استهزاء بمن ظهرت معه الآيات والنذر، وهم المرسلون أسياد المؤمنين، فهذا نوع بيان وتفصيل لقوله تعالى في سورة البقرة وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وإذ يقف الكافرون من آيات الله هذا الموقف، مكذبين ومستهزءين ورافضين للإيمان والاستغفار، مع وضوح الحجة وقيامها، وكرامة الرسل عليهم الصلاة والسلام وفضلهم، بيّن الله عزّ وجلّ في الآية اللاحقة أنه لا أظلم من هؤلاء.
...
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتذكّر ولم يتدبّر ولم يؤمن وَنَسِيَ عاقبة ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الكفر والمعاصي، غير متفكر فيها ولا ناظر ولا مستغفر. ثم علّل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم، بسبب أعمالهم ومواقفهم إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي أغطية أَنْ يَفْقَهُوهُ أي لئلا يفهموا هذا القرآن الذي فصّله الله وصرّفه، وضرب فيه من كل مثل وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً قال ابن كثير: أي صمما معنويا عن الرشاد. قال النسفي أي: ثقلا عن استماع الحق وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى أي إلى الإيمان فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً أي فلا يكون منهم اهتداء البتة، وحتى لا يظن ظان، أنّ جعل الحجاب على قلوبهم، والوقر في آذانهم، ظلما أو قسوة، بيّن تعالى أنه الغفور ذو الرحمة الواسعة، فلم يعاقبهم هذا العقاب إلا لاستحقاقهم الكامل له.