وحدد طبيعة الكفر من موت وعمى وصمم وهذا يعني أن المؤمنين هم الأحياء السامعون المبصرون. ولم يبق عندنا في السورة إلا مقطع واحد هو المقطع الرابع والأخير وهو خاتمة السورة وقبل أن نذكره فلنذكر بعض فوائد المقطع الثالث.
إن في قوله تعالى عن الرياح اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً لمعجزة من معجزات القرآن. فلو أن إنسانا استطاع أن يرى الرياح وهي تثير ذرات البخار، ولو استطاع أن يرى ذرات البخار أول أخذ الرياح لها، لما رأى أشبه منها بذرات الغبار وهي تثيرها الرياح، فاستعمال لفظ (تثير) في هذا المقام معجزة لمن تأمّل.
٢ - [أنواع الرياح والرياح التي أهلكت عادا وتعليق المؤلف على كلام ابن كثير في ذلك]
بمناسبة قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم ... عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة، وأربعة منها عذاب، فأما الرحمة: فالناشرات، والمبشّرات، والمرسلات، والذاريات، وأما العذاب: فالعقيم، والصرصر- وهما في البر- والعاصف، والقاصف- وهما في البحر- فإذا شاء سبحانه وتعالى حرّكه بحركة الرحمة، فجعله رخاء ورحمة، وبشرى بين يدي رحمته، ولاقحا للسحاب، يلقّحه بحمله الماء كما يلقّح الذكر الأنثى بالحمل، وإن شاء حرّكه بحركة العذاب، فجعله عقيما، وأودعه عذابا أليما، وجعله نقمة على من يشاء من عباده، فيجعله صرصرا، وعاتيا، ومفسدا لما يمرّ عليه، والرياح مختلفة في مهابّها: صبا ودبور وجنوب وشمال، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف؛ فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان، وأخرى تجففه، وأخرى تهلكه وتعطبه، وأخرى تشدّه وتصلّبه، وأخرى توهنه وتضعفه).
أقول: في هذا المقام يذكر ابن كثير حديثا حول الرياح التي أهلكت عادا، وأنها من الأرض الثانية. وقال عنه: هذا حديث غريب، ورفعه منكر، والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وإنما أشرنا إلى ذلك ليعلم أنّه باطل المعنى، منكر السند غريبه.
٣ - [تحقيق ابن كثير حول الآية فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى .. والمقصود بالموتى]
عند قوله تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ... ذكر ابن كثير تحقيقا وسبب التحقيق أنّ الآية أرادت أنهم موتى القلوب، ولا ينفي هذا أن الموتى يسمعون من عالم الأحياء لكنّه وجد من فهم هذا النص على ظاهره فاقتضى ذلك تحقيق