ثم جاء قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً ... إن الصلة بين هذه الآية وتلك واضحة. فالمعنى واحد، ولكن سيق المعنى هناك للتدليل على وجود الله، وسيق هنا للتذكير باليوم الآخر، ولكن لم وجدت الآية الوسطى بينهما؟
إنّ الآيتين تضيئان على الآية التي جاءت بينهما. فنفهم من ذلك أنّه كما أن المطر تسبقه رياح مبشرات- وقد يأتي بعد احتباس- فكذلك نصر الله يأتي بعد ترقب واحتباس.
وإذ أخذ الله على اليائسين من رحمته يأسهم في موضوع المطر، فقد أعطى الله درسا للمؤمنين بألا ييأسوا من النّصر دون أن يخاطبهم بذلك مباشرة. وعلى هذا فما ذكره الله عزّ وجل في سورة البقرة حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة: ٢١٤) صراحة قد ذكّر الله به المؤمنين هنا بشكل ضمني. ومما مر نعلم أن بين بداية المقطع الثالث ونهاية المقطع الثاني صلة واضحة.
٢ - كما أقام الله الحجج في المقطع الأول والثاني على مجئ اليوم الآخر. فقد أقام في المقطع الثالث الحجّة على ذلك، ثمّ إنّه بعد أن أقام الحجة على ذلك في الآيات الثلاث الأول انتقل السياق ليحدّثنا عن الطبيعة الكافرة الجحود التي لا ينفعها حجّة، ولا تنفع معها آية. وقد وصفهم الله عزّ وجلّ بالموت والصّمم والعمى؛ تعزية لرسوله صلّى الله عليه وسلم وتسلية له، كما بيّن من هم الذين يستفيدون من الآيات، وهم المؤمنون بآيات الله. وهذا يذكّرنا بقوله تعالى في الآيات الأولى من سورة البقرة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (البقرة: ٤). إذ تبيّن الآية الأخيرة علامة الإيمان بالآيات وهي الإسلام إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ.
٣ - رأينا أن السورة في سياقها الرئيسي تتحدّث عن اليوم الآخر مباشرة أو من خلال الحديث عن الله، والإيمان بالله واليوم الآخر من أهمّ أركان الإيمان بالغيب. وقد حدّثنا المقطع الثالث عن الله، وعن اليوم الآخر، وعن الكفر والإيمان،