المقدمة، فذكرت التقوى والكفر والنفاق، فإن مقدمة سورة الأحزاب تحدّد الطريق العملي للسلوك:
١ - تقوى الله. ٢ - عدم الطاعة للكافرين والمنافقين.
٣ - اتّباع الكتاب والسنة. ٤ - التوكّل على الله.
ولنعد إلى التفسير:
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ هذه توطئة للمقصود؛ فكما لا يكون للشّخص الواحد قلبان في جوفه، وكما لا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله: أنت عليّ كظهر أمّي أمّا له. كذلك لا يصير الدعيّ ولدا للرجل إذا تبناه فدعاه ابنا له وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أي الذين تدعونهم أولادكم وما هم بأولادكم حقيقة أَبْناءَكُمْ قال النسفي:
(أي ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في امرأة، ولا بنوة ودعوة في رجل، والمعنى: أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين- لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر فعلا من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدّي إلى اتصاف الجملة بكونه (أي صاحب القلبين) مريدا كارها عالما موقنا شاكا في حالة واحدة- لم يحكم أيضا أن تكون المرأة الواحدة أمّا لرجل زوجا له، لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة، وبينهما منافاة، وأن يكون الرجل الواحد دعيّا لرجل وابنا له؛ لأن البنوّة أصالة في النسب، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشئ الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل).
ومن كلام النسفي نفهم أنّ المراد بالقلب في الآية القلب الذي هو محلّ العلم، والظن، والشك، واليقين، فالمنفي هو القلب الذي هذا شأنه، فهذا لا يتعدّد عند الإنسان قطعا بنصّ الآية، أما القلب الحسيّ فالمشاهد أنّه لا يتعدّد كذلك، وفي قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ قال صاحب الظلال:
(إنه قلب واحد، فلا بد له من منهج واحد يسير عليه. ولا بد له من تصوّر كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه. ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم، ويقوّم به الأحداث والأشياء. وإلا تمزّق وتفرّق ونافق والتوى، ولم يستقم على اتجاه.