الحياة، ورفع الشر والفساد عنها، ورد الاعتداء عن سلطان الله فيها، ودفع الطواغيت وتحقيق العدل والخير للناس جميعا .. كل أولئك هو زاد الآخرة وهو الذي يفتح للمجاهدين أبواب الجنة، ويعوّضهم عما فقدوا في صراع الباطل، وما أصابهم من الأذى .. فكيف يتفق لعقيدة هذه تصوراتها أن يدع أهلها الحياة الدنيا تركد وتأسن، أو تفسد وتختل، أو يشيع فيها الظلم والطغيان، أو تتخلف في الصلاح والعمران ..
وهم يرجون الآخرة وينتظرون فيها الجزاء من الله؟.
إن الناس إذا كانوا في فترات من الزمان يعيشون سلبيين؛ ويدعون الفساد والشر والظلم والطغيان والتخلف والجهالة تغمر حياتهم الدنيا- مع ادعائهم الإسلام- فإنما هم يصنعون ذلك كله أو بعضه لأن تصورهم للإسلام قد فسد وانحرف؛ ولأن يقينهم في الآخرة قد تزعزع وضعف! لا لأنهم يدينون بحقيقة هذا الدين؛ ويستيقنون من لقاء الله في الآخرة. فما يستيقن أحد من لقاء الله في الآخرة. وهو يعي حقيقة هذا الدين ثم يعيش في هذه الحياة الدنيا سلبيا أو متخلفا، أو راضيا بالشر والفساد والطغيان. إنما يزاول المسلم هذه الحياة الدنيا، وهو يشعر أنه أكبر منها وأعلى. ويستمتع بطيباتها أو يزهد فيها وهو يعلم أنها حلال في الدنيا خالصة له يوم القيامة. ويجاهد لترقية هذه الحياة وتسخير طاقاتها وقوامها وهو يعرف أن هذا واجب الخلافة عن الله فيها. ويكافح الشر والفساد والظلم محتملا الأذى والتضحية حتى الشهادة، وهو إنما يقدم لأنه يعلم من دينه أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن ليس هنالك طريق للآخرة لا يمر بالدنيا؛ وأن الدنيا صغيرة زهيدة ولكنها من نعمة الله التي يجتاز منها إلى نعمة الله الكبرى.
وكل جزئية في النظام الإسلامي منظور فيها إلى حقيقة الحياة الآخرة، وما تنشئه في التصور من سعة وجمال وارتفاع، وما تنشئه في الخلق من رفعة وتطهر وسماحة ومن تشدد في الحق وتحرج وتقوى؛ وما تنشئه في النشاط الإنساني من تسديد وثقة وتصميم، من أجل ذلك كله لا تستقيم الحياة الإسلامية بدون يقين في الآخرة. ومن أجل ذلك كان هذا التوكيد في القرآن الكريم على حقيقة الآخرة».
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور السّورة هو كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لاحظ كلمة إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ثمّ تذكر أن المجموعات التي مرت معنا كلها فيها حديث عن هذه الرّجعة، وما يكون فيها، وتذكّر أن المجموعة