مع أنهم يعطون أعداء الله من الانقياد- أحيانا- ما لا يعطونه لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك مظهر من مظاهر الكبر، واتباع لخطوات الشيطان، إلا من عصم ربي وحفظ ممن يحررون مواقفهم فيمنعهم من الاتباع أو الانقياد، أو العمل المشترك مانع شرعي محرر، ولنعد إلى تفسير المجموعة:
فبعد أن بيّن الله عزّ وجل موقف المستكبرين مما أنزل، وعقوبتهم الدنيوية والأخروية على هذا الموقف يخبرنا الله عزّ وجل عن موقف أوليائه ممّا أنزل وما يكافئهم به في الدنيا والآخرة: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك واتباع خطوات الشيطان ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ أيّ شئ أنزل ربكم قالُوا خَيْراً أي قالوا: أنزل خيرا أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به، هذا هو موقفهم مما أنزل الله: ثناء عليه؛ فاستحقوا خيري الدنيا والآخرة، ومن ثم أخبر الله عما يعدهم به فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ أي من أحسن عمله في الدنيا، أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ أخبر بأن دار الآخرة خير أي: من الحياة الدنيا والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا، وإحسان العبد إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح، وقد عرّف الله المحسنين في أكثر من مكان في كتابه، وفي الفوائد كلام. والحسنة التي يعطيها الله مكافأة في الدنيا قد تكون أمنا وطمأنينة، وقد تكون نصرا وفوزا، وقد تكون كل ذلك مع غيره، ومن ثم نكّرها فقال (حسنة) ثم وصف الدار الآخرة فقال: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ
جَنَّاتُ عَدْنٍ فجنات عدن هي دار المتقين، والعدن: الإقامة يَدْخُلُونَها فلنحرص على التحقق بالتقوى لندخلها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي بين أشجارها وقصورها لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ قال ابن كثير:
وفي الحديث:«إن السحابة لتمر بالملإ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم، فلا يشتهي أحد منهم شيئا إلا أمطرته عليهم، حتى إن منهم لمن يقول: أمطرينا كواعب أترابا فيكون ذلك». كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ أي مثل هذا الجزاء يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله، ثم أخبر تعالى عن حال المتقين عند الاحتضار أنهم طيبون، أي مخلّصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة فقال:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بعملكم، فالملائكة تسلّم عليهم وتبشرهم بالجنة، وقد مر معنا من قبل أن نسمة المؤمن تدخل الجنة بعد الموت، والدخول الكامل بالجسم والروح إنما يكون بعد البعث.