للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإنذار، والوعظ والترغيب والترهيب، وقد عبر عن هذا المعنى عرب الجاهلية بسذاجتهم فطالبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بقرآن ليس فيه ما يغيظهم من ذم عبادة الأوثان، والوعيد لأهل الطغيان، وأن يبدله بأن يجعل مكان آية عذاب آية رحمة، وعبر عن هذا المعنى كثير من الفلاسفة بشكل أو بآخر، فاستبعدوا أن يكون هذا القرآن من عند الله، لأنهم يتصورون أن الله إذا أنزل وحيا فينبغي أن يكون على شاكلة أخرى، كأن لا تظهر فيه صفات الجلال، وهؤلاء في منتهى السفاهة. فقد جعل الله في هذا القرآن من الآيات والمعجزات ما لا يستطيع المنصف إلا أن يسلم بأنه من عند الله وقد جعل الله في شخصية رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور ما لا

يبقى معه شك أن هذا القرآن من عند الله. وبهذا يتبين لنا أن هذه المجموعة سائرة على نفس النسق في تحطيم العجب من أن يرسل الله رسولا.

[فوائد]

١ - الملاحظ من قوله تعالى قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ... أن الذين يتعنتون في مواقفهم إنما هم الذين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا، وليس عندهم رجاء لليوم الآخر أصلا. فداء الأدواء إذن هذه العلة. ومن ثم كان من واجب الدعاة تحريك همة الإنسان، وتحريك عقله لرجاء اليوم الآخر.

٢ - إن اقتراح الكافرين على الرسول صلى الله عليه وسلم الإتيان بقرآن آخر، أو تبديل هذا القرآن فيه معنى ضمني، وهو أنهم يعتقدون أن هذا القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قادر على مثله، ولذلك طالبوه بالتغيير والتبديل. وهذا تأكيد لأصل الشبهة التي بدأ فيها هذا المقطع، وهي استبعاد أن ينزل الله وحيا على أحد من خلقه، وجاء الرد حاسما وحازما: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. وفي تفسير قوله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ من الآية الأخيرة يقول الألوسي: أي ألا تلاحظون ذلك فلا تعقلون امتناع صدوره عن مثلي، ووجوب كونه منزلا من عند الله العزيز الحكيم، فإن ذلك غير خاف على من له عقل سليم، وذهن مستقيم، بل لعمري أن من كان له أدنى مسكة من عقل إذا تأمل في أمره صلى الله عليه وسلم، وأنه نشأ فيما بينهم هذا الدهر الطويل، من غير مصاحبة العلماء في شأن من الشئون، ولا مراجعة إليهم في فن من الفنون، ولا مخالطة للبلغاء في

<<  <  ج: ص:  >  >>