والمرة الثانية: هاهنا في سياق قوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ* إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ.
وفي المرة الأولى بيّن أنّهم ناجون من عذاب يوم القيامة؛ وفي المرة الثانية بيّن أنهم ناجون من عذاب الاستئصال في الدنيا، فإذا تذكّرنا محور السورة من سورة البقرة، وتذكّرنا قوله تعالى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، عرفنا أن فلاح المتقين كائن في الدنيا؛ إذ ينجّيهم الله من عذابه، وفي الآخرة إذ ينجيهم الله من عذابه، ومن قبل ذكرنا أن المخلصين هم المتقون، أخذنا ذلك من صلة السورة بمحورها. وبعد هذا البيان والتقرير يأتي دور التمثيل في المقطع، فيعرض الله علينا مثلا من نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوطا ويونس عليهم الصلاة والسلام، وكأن المقطع ينقسم إلى مجموعتين رئيسيتين: مجموعة تقرّر المعاني، وأخرى تضرب الأمثال.
٢ - لقد جاء فيما مرّ معنا من السورة قوله تعالى بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وجاء قوله تعالى وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ والآن يأتي دور التمثيل لكيفية كون دعوة الرسل واحدة، ولتصديق محمد صلّى الله عليه وسلم للمرسلين السابقين، ودعوتهم الحق القائمة على التوحيد، وتكذيب الأكثرية لذلك، وبماذا عوقبوا، والتمثيل لمواقف الرسل الإيمانية التي هي القدوة العليا، وغير ذلك مما تحتاجه المعاني السابقة من أمثلة قائمة، وسنرى ذلك، وصلته بسياق المقطع، وسياق السورة، وصلة ذلك بالمحور، وقبل أن نبدأ عرض المجموعة الثانية من المقطع فلننقل بعض الفوائد المتعلّقة بما مرّ.
[فوائد]
١ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ]
بمناسبة قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«أيما داع دعا إلى شئ كان موقوفا معه إلى يوم القيامة، لا يغادره ولا يفارقه وإن دعا رجل رجلا» ثم قرأ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ورواه الترمذي من حديث ليث ابن أبي سليم، ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم عن معتمر عن ليث عن رجل عن أنس رضي الله عنه مرفوعا، وقال عبد الله بن المبارك سمعت عثمان بن زائدة يقول: إن أول ما يسأل عنه الرجل جلساؤه).