ففي هذا المقطع توجيه للمؤمنين لما فيه هداهم وخلاصهم، وتحذير لهم مما فيه هلاكهم وعذابهم. ومحل أهل الكتاب في هذا، وكونهم فئتين: فئة تؤمن، وأخرى تستمر على فسوقها، وكفرها، وعدم استواء هاتين في ميزان الله. ثم يختم المقطع الكلام عن الكافرين، فالمقطع توضيح لمقدمة سورة البقرة، وتفصيل لبعض ما فيها من إجمال، وتبيان لما ينبغي أن يلاحظ بسبب أن الناس مسلم وكافر.
[المعنى الحرفي]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ أى: اتقوا الله واجب تقواه وما يحق منها وذلك يكون: بالقيام بالواجب، والاجتناب عن المحارم، فسرها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:«أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» وذهب بعضهم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ورد هذا القول ابن عباس وفسرها فقال: لم تنسخ، ولكن حق تقاته، أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم، وآبائهم، وأبنائهم. وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أي: لا تكونوا على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت، وذلك بأن تحافظوا على الإسلام في حال صحتكم، وسلامتكم، لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شئ مات عليه، ومن مات على شئ بعث عليه، فعياذا بالله من خلاف ذلك.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً أي: تمسكوا بالقرآن كلكم. وَلا تَفَرَّقُوا أي: ولا تتفرقوا؛ بأن يكون منكم فعل ما يكون عنه التفرق، ويزول به حق الاجتماع، أو لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم، أو لا تتفرقوا كما كنتم في الجاهلية: يحارب بعضكم بعضا. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً هذا النص نزل في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة، وضغائن وإحن، طال بسببها قتالهم، والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام؛ فدخل فيه من دخل، صاروا متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى. وتدخل في ذلك كل حالة شبيهة جمع الله فيها القلوب على الحق بعد إذ كانت متفرقة على الباطل،