وجوه من ترك الحق وأهله، واستحقاق الأولين رحمة الله بفضله، واستحقاق الآخرين عذابه بعدله. ثم بين الله- عزّ وجل- أن هذا المتلو آيات الله حقا، وأن الله لا يظلم أحدا.
وأن الله مالك الجميع، والكل عبيد له، وهو الحاكم، والمتصرف في الدنيا والآخرة.
وبعد أن يوجه لنا هذه الأوامر والنواهي، يقرر لنا أننا خير أمة أخرجت للناس بتحققنا بثلاثة أوصاف، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله. وفي هذا السياق يحض أهل الكتاب على أن يسلكوا سبيلنا مبينا أن القليل منهم يؤمنون، وأن الكثيرين منهم فاسقون عن أمر الله، لا يدخلون في الإسلام.
ثم بين أن هؤلاء الفاسقين عن أمر الله من أهل الكتاب لن يضرونا إلا في حدود الأذية لا أكثر، ووعدنا إن قاتلونا أن ينصرنا عليهم، وأن يهزمهم. هذا إن كنا جنده حقا، ثم بين أنه قد ضرب على أهل الكتاب- والمراد بهم اليهود هنا وعرفنا ذلك من خلال صفاتهم- ضرب عليهم الذلة والمسكنة حيثما كانوا، وأن هذه الذلة لا ترتفع عنهم إلا إذا اجتمعت مشيئتان، مشيئة الله، ومشيئة الناس كما هو واقع الآن، إذ قامت لهم دولة سلطها الله علينا بظلمنا. وتضافرت شعوب العالم كلها على إيجادها وتأييدها، ودعمها. ثم بين علة ضربه الذلة عليهم، وهي الكفر، وقتل الأنبياء، والعصيان، والاعتداء. ولم يسلطهم الله علينا إلا لقتلنا ورثة الأنبياء، ولكفر الكثيرين من أولياء أمورنا، وعصياننا، واعتدائنا. والله- عزّ وجل- ذو العدل المطلق، والفضل العظيم، من استحق عقابا عاقبة إلا أن يشاء شيئا.
ثم يذكر الله- عزّ وجل- في مقابل الفسقة من أهل الكتاب، من يؤمن منهم؛ فيقوم بآيات الله آناء الليل، ويؤمن بالله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويسارع في الخيرات، فهؤلاء لا يستوون مع الفاسقين منهم، وهؤلاء من الصالحين الذين يعدهم الله أن يجازيهم على إحسانهم إحسانا، والمراد بهم- قولا واحدا- من دخل في الإسلام.
ويختم الله- عزّ وجل- هذا المقطع بالكلام عن الكافرين، وأنهم لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، وأنهم خالدون في نار جهنم، وأن نفقاتهم لن تقبل منهم. فإذا تذكرنا ما كررناه سابقا من كون الله- عزّ وجل- عقب بوصف الكافرين بعد ذكر المتقين في سورة البقرة، وأن هذا يتكرر في سورة آل عمران، يكون ما ذكر هنا دليلا على صحة ملاحظتنا.