وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ أي في كل الأحوال سواء أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم، أو توفيناك قبل ذلك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أي فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب وَعَلَيْنَا الْحِسابُ أي وعلينا حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم لا عليك؛ فلا يهمنك إعراضهم، ولا تستعجل بعذابهم، وهكذا واسى
الله رسوله صلى الله عليه وسلم وذكره بما يجب عليه، وأقام الحجة على الكافرين المقترحين للآيات، بأن ذلك إلى الله، وأنه يكفيهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم له خصائص الرسل، وتظهر فيه سنة الله في إنزاله الكتب لكل زمان، ويكون محمد عليه الصلاة والسلام قد أنزل عليه الكتاب الحاكم لبقية الزمان، وهو رد على مقترحي الآيات، ورد على الكافرين من أهل الكتاب،
ثم تأتي آية تقيم عليهم الحجة، وترد عليهم من خلال لفت نظرهم إلى آية واقعة، وهي التوسع الدائم لدار الإسلام على حساب دار الكفر، فذلك تأييد من الله فيه معنى الآية، وهو الذي تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ أي أرض الكفر نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بما نفتح على المسلمين من بلادهم، فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات النصرة والغلبة، وعلامات التوفيق، فما أكثر الآيات إذن وهم يطلبون آية، فما يطلبونه موجود، وطلب المزيد دون رؤية الموجود لا يفيد وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أي لا راد لحكمه إذ المعقب هو الذي يكر على الشئ فيبطله، وقد حكم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ودينه بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس، فلا أحد يستطيع أن يحول دون هذا، ولقد كان هذا كله مما هو مذكور في التاريخ من غلبة المسلمين على قلة العدد والعدد، واندحار الكفر على كثرة العدد والعدد، وحيث أقام المسلمون دينهم كان لهم هذا وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا، بتسليط المؤمنين عليهم بالقهر والغلبة، وفي هذا السياق- سياق التبشير بانتشار الإسلام- يذكرنا الله عزّ وجل بالمكر الهائل الذي يقابل به أعداء الله هذا الدين، فيبشر المؤمنين ويقوي ثقتهم به جل جلاله
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر: إرادة المكروه في خفية فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً وإذ كان الأمر كذلك فمكرهم لا قيمة له، ثم فسر كيف أن المكر له جميعا بقوله: يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ لأن من علم ما تكسب كل نفس هو وحده الذي له المكر كله وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي لمن العاقبة المحمودة، أي لمن تكون الدائرة والعاقبة، لهم أو لأتباع الرسل؟ إنها لأتباع الرسل في الدنيا